للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقرٍ، وربما لا يدوم على غنًى أيضًا، بل الحياة تتقلب، تجد إنسانًا غنيًّا اليوم وتراه فقيرًا غدًا، والعكس.

وقَدْ يكون الغَناء سببًا في اشتغال الإنسان عن الدنيا، ولذلك نجد أن اللَّه سبحانه وتعالى في سورة النور عندما ذكر صفات المؤمنين، ثم أعقبها بصفات الكافرين، يقول سبحانه في حديثه عن المساجد: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (٣٦) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (٣٧) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (٣٨)} [النور: ٣٦ - ٣٨].

ثم يقول سبحانه: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (٣٩) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (٤٠)} [النور: ٣٩، ٤٠].

ويُذْكر أن أحدَ الرُّهبان الفرنسيين فيما مضى سمع هذه الآية -وكان يعرف اللغة- فسأل: هل ركب محمدٌ البحرَ؟ فقالوا: لا، فآمَنَ (١).

فَهَذِهِ الطَّاعَاتُ التي وَضَعها اللَّه سبحانه وتعالى، وجعلها موسمًا للخيرات، لنستبقي إليها، هي -بلا شَكٍّ- قربة إلى اللَّه سبحانه وتعالى، وزهدُ المرء في الدنيا سيَجْعله ينصرف إلى طاعة اللَّه، وإذا انصرف إلى طاعة اللَّه سبحانه وتعالى، وإلى عبادته، وأخلص العمل في ذلك، سينتهي به المقام إلى أن يَكُونَ محبوبًا عند اللَّه سبحانه وتعالى.

وليست محبة اللَّه ورسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- تُنَال باللتي واللتيا، وإنما ينبغي أن يعد لها العمل الصالح، ولذلك لما جاء جلٌ يسأل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الساعة -وهو يخطب الناسَ يوم الجمعة على المِنْبَرِ في المسجد النبوي- كَمَا في


(١) لم أقف عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>