للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَتفرَّع عنها مسألةٌ أُخرى، وَهي: حكم الجهر فيها؛ فيه خلافٌ (١). وَحديثُ عائشة دليلٌ على أنه لا يجهر، وقد يتعرَّض المؤلف لهذه المسألة.

* قوله: (فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِيهِمَا بِأُمِّ القُرْآنِ فَقَطْ، وَرُوِيَ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ: "أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِيهِمَا بِـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١)}، و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (١)} " (٢)).

وَالحَديث خرَّجه مسلمٌ أيضًا، ولم يتفرَّد به أبو داود، وإذا كان في مسلم، فهو حديث صحيح لا يحتاج أن نبحث في سنده بخلاف ما لو كان في أبي داود دون مسلم؛ فإذا كان في مسلم؛ قالوا: قطعت جهيزة قول كل خطيب (٣)، فَحَديثُ عَائِشَةَ مجملٌ ليس صريحًا في أنه لا يقرأ بغير أُمِّ القرآن، وإنما فيه كأنِّي أقول: أَقرَأ بأم القرآن أو لا؛ لأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- كان يخفف في ذلك، فربما كان يُسْرع في قراءته.

وأما الحديث الذي خرجه مسلم وحديث قراءته -صلى اللَّه عليه وسلم- بـ {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (١)} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١)}، فهما صريحان مُبينان لحديث عائشة، ولا تعارض بين الأحاديث في هذا.

* قوله: (فَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ حَدِيثِ عَائِشَةَ، اخْتَارَ قِرَاءَةَ أُمِّ القُرْآنِ فَقَطْ (٤)، وَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ الحَدِيثِ الثَّانِي، اخْتَارَ أُمَّ القُرْآنِ، وَسُورَةً


(١) ستأتي هذه المسألة قريبًا.
(٢) الحديث أخرجه مسلم (٧٢٦/ ٩٨) وغيره كما قال الشارح، فكان الأَوْلَى أن يعزوه له.
(٣) "قطعت جهيزة قول كل خطيب": يقال عند الأمر قد فات، وأصلُهُ أن قومًا اجتمعوا يخطبون في صلحٍ بين حَيَّين قتل أحدهما من الآخرة قتيلًا، ويسألون أن يرضوا بالدية، فبينا هم في ذلك، إذ جاءت أمة يُقَال لها جهيزة، فَقَالت: إن القاتل قد ظفر به بعض أولياء المقتول فقتله، فقالوا عند ذلك: قطعت جهيزة قول كل خطيب؛ أي: استغني الآن عن الخطب في الصلح؛ أي: قَدْ أخذ الحق. يُنظر: "الأمثال" للهاشمي (١/ ١٨٤)، و"مجمع الأمثال" للميداني (٢/ ٩١).
(٤) وهم المالكية.

<<  <  ج: ص:  >  >>