للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذًا عندما رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح على الخفين كان ذلك بعد نزول المائدة، إذًا لا ناسخ ولا منسوخ في هذا المقام.

* قوله: (وَقَالَ المُتَأَخِّرُونَ القَائِلُونَ بِجَوَازِهِ: لَيْسَ بَيْنَ الآيَةِ وَالآثَارِ تَعَارُضٌ، لِأَنَّ الأَمْرَ بِالغَسْلِ إِنَّمَا هُوَ مُتَوَجِّهٌ إِلَى مَنْ لَا خُفَّ لَهُ).

هذا تعليلٌ جيدٌ، وتعليلُ جماهيرِ العلماء قالوا: لا نرى تعارضًا؛ لأنَّ الآيةَ جاءت لتبيِّن المغسولات، وقد نصَّت على الممسوح وهو مسح الرأس، فالاية قالت: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ}، وقد ذكرنا فيما مضى الخلاف فيما يتعلق بالرجلين، وأنَّ الصحيح من ذلك هو الغسل، وأنَّ رأي الذين قالوا: بالمسح إنما هو رأيٌ باطلٌ، وبينَّا أنَّ الغَسل قد يُطلق في لغة العرب على المسح، فيقول فلانٌ تمسَّحت للصلاة، أي: اغتسلت أو توضأت للصلاة (١).

* قوله: (وَالرُّخْصَةُ إِنَّمَا هِيَ لِلابِسِ الخُفِّ).

يقصد المؤلف بقوله: "إِنَّمَا هُوَ مُتَوَجِّهٌ إِلَى مَنْ لَا خُفَّ لَهُ" يعني: الغسل متوجه إلى غير لابس الخف، وليس مراده: الذي لا يوجد عنده خفّ.

وهناك قضية هامة فيما يتعلق بالتخفيف، بعد أن تبيَّن لنا أنَّ العلةَ في المسح على الخفين إنما هي التخفيف والرخصة، ولذلك نجد أن الفقهاء ينصُّون على أن الجنبَ لا يمسح على الخفين (٢)؛ لأنَّ المتوضأ يكرر ذلك


(١) تمسحت للصلاة إذأ توضأت لها، وإنما سمي الغسل مسحًا؛ لأن الغسل للشيء تطهير له بإفراغ الماء، والمسح تطهير له بإمرار الماء، فالمسح خفيف الغسل. انظر: "غريب الحديث" لابن قتيبة (١/ ١٥٣ - ١٥٤).
(٢) مذهب الحنفية، يُنظر: "تبيين الحقائق" للزيلعي (١/ ٤٦) حيث قال: (لا جنبًا)، أي: لا يجوز للجنب المسح لحديث صفوان بن عسال أنه قال "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يأمرنا إذا كنا سفرًا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة لكن من غائط أو بول أو نوم"؛ ولأن الرخصة للحرج فيما يتكرر ولا حرج في الجنابة لعدم التكرار وصورة ما يكون جنبًا أن يلبس خفيه وهو على وضوء، ثم يجنب وهو في مدة المسح فإنه ينزع خفيه ويغسل رجليه.=

<<  <  ج: ص:  >  >>