للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يرى البعض: أنَّ قراءةَ {وَأَرْجُلَكُمْ} (١) فيها إشارة إلى المسح على الخفين.

* قوله: (وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ السَّفَرِ وَالحَضَرِ؛ فَلِأَنَّ أَكْثَرَ لآثَارِ الصِّحَاحِ الوَارِدَةِ فِي مَسْحِهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- إِنَّمَا كانَتْ فِي السَّفَرِ، مَعَ أَنَّ السَّفَرَ مُشْعِرٌ بِالرُّخْصَةِ وَالتَّخْفِيفِ).

وعلى فرض أنَّ أكثرَ الأحاديث التي وردت في ذلك وردت في السفر، فنجيب على ذلك: بأنَّ المسح في الحضر وردت فيه أيضًا أحاديثُ صحيحةٌ، وآثارٌ عن الصحابة -رضوان الله عليهم- (٢)، يعني: هذا لا يمنع أن تكون أحاديثُ السفر أكثرَ لشدة الحاجة إلى المسح على الخفين في السفر؛ لأنَّ السفر إنما هو مظِنَّةٌ للمشقة، وليس معنى هذا أنَّ الحاضر لا تلحقه مشقة، لا، بل قد يلحق بعض الحاضرين من المشقة ما لا تلحق المسافر، فلو فرضنا أننا في أيام الصيف، وفي شدة القيظ (٣)، فقام إنسان بعد صلاة الصبح فوقف على الفرن، يخبز للناس حتى وقت الظهر، ثم يواصل بعد الظهر، وإنسانٌ آخر يَسافر بسيارةٍ مكيفة، أو حتى على راحلةٍ، ولكنَّه لا يجد مشقةً، كذلك قد يشتغل إنسان في تكسير الحجارة وفي البناء وفي غيرها، فيلحقه من المشقة ما لا يلحق بعض المسافرين، لكنَّ الغالب في السفر أنَّه مظنةُ المشقة، ولذلك لم يقل العلماءُ: إن المشقةَ في السفر متيقنة، بل قالوا: هو مظنة المشقة.

ولذلك وضع العلماء لنا مسائل قديمة، لم تكن متحققة في ذلك العصر لكنها وقعت في هذا الزمن، فقد كان العلماء يأتون بما يعرف بالفقه التقديري أو الفقه الفرضي، كانوا يفترضون بعض المسائل، أو يقدرون


(١) قَرَأَ: {وَأَرْجُلَكُمْ} خفضًا: ابْن كثير وَحَمْزَة وَأَبُو عَمْرو. انظر: "السبعة في القراءات" لابن مجاهد (ص: ٢٤٢).
(٢) تقدم تخريج بعضًا منها.
(٣) القيظ: حمَّارة الصيف. انظر: "الصحاح" للجوهري (٣/ ١١٧٨)

<<  <  ج: ص:  >  >>