للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: ٥٥]، هكذا كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يفعل، وسنتكلم عن هذا إن شاء اللَّه، ولعلنا نجد فرصة سانحة لذكر حديث أصحاب الغار الثلاثة (١)؛ لنعرف كيف أن اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أنقذ أولئك النفر الثلاثة مما حَلَّ بهم من غم ومن شدة؛ كل ذلك لأنهم اتَّجهوا إلى اللَّه ودعوه بأعمالهم التي صدقوا فيها معه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.

* قوله: (أَجْمَعَ العُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الخُرُوجَ إِلَى الِاسْتِسْقَاءِ، وَالبُرُوزَ عَنِ المِصْرِ، وَالدُّعَاءَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَالتَّضَرُّعَ إِلَيْهِ فِي نُزُولِ المَطَرِ سُنَّةٌ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-) (٢).


(١) أخرجه البخاري (٢٢١٥) ومسلم (٢٧٤٣) عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: "خرج ثلاثة نفر يمشون فأصابهم المطر، فدخلوا في غار في جبل، فانحطت عليهم صخرة، قال: فقال بعضهم لبعض: ادعوا اللَّه بأفضل عمل عملتموه، فقال أحدهم: اللهم إني كان لي أبوان شيخان كبيران، فكنت أخرج فأرعى، ثم أجيء فأحلب فأجيء بالحلاب، فآتي به أبوي فيَشربان، ثم أسقي الصبية وأهلي وامرأتي، فاحتبست ليلة، فجئت فإذا هما نائمان، قال: فكرهتُ أن أوقظهما، والصبية يتضاغون عند رِجْلي، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهما، حتى طلع الفجر، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج عنا فرجة نرى منها السماء، قال: ففرج عنهم، وقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم أني كنت أحب امرأة من بنات عمي كأشد ما يحب الرجل النساء، فقالت: لا تنال ذلك منها حتى تعطيها مائة دينار، فسعيت فيها حتى جمعتها، فلما قعدت بين رجليها قالت: اتَّق اللَّه ولا تفض الخاتم إِلَّا بحقه، فقمت وتركتها، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج عنا فرجة، قال: فَفَرج عنهم الثلثين، وقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم أني استأجرت أجيرًا بفرق من ذرة فأعطيته، وأبى ذاك أن يأخذ، فعمدت إلى ذلك الفرق فزرعته، حتى اشتريت منه بقرًا وراعيها، ثم جاء فقال: يا عبد اللَّه أعطني حقي، فقلت: انطلق إلى تلك البقر وراعيها فإنها لك، فقال: أتستهزئ بي؟ قال: فقلت: ما أستهزئ بك ولكنها لك، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج عنا فكشف عنهم".
(٢) مذهب الحنفية، يُنظر: "البحر الرائق" للزيلعي (٢/ ١٨٢) حيث قال: "وإنما يخرجون ثلاثة أيام، يعني: متتابعات، ويخرجون مشاة في ثياب خلق غسيلة أو مرقعة متذللين متواضعين خاشعين للَّه تعالى ناكسي رءوسهم، ويقدمون الصدقة في كل يوم قبل خروجهم، ويجددون التوبة، ويستغفرون للمسلمين، ويتواضعون بينهم". وانظر: "بدائع الصنائع" للكاساني (١/ ٢٨٤). =

<<  <  ج: ص:  >  >>