أدركهم المطر، فأرادوا أن يلجأوا إلى مكان ما، فوجدوا غارًا، فأووا إليه، فلما أووا (١) إلى ذلك الغار إذا بصخرة عظيمة تنزل فتَسد فتحة ذلك الغار، فظلوا في حيرة، يفكرون ماذا يصنعون؟ بدأ يسأل بعضهم بعضًا: ماذا نفعل؟ فأخذ يوصي بعضهم بعضًا: ماذا عملتم من أعمال طيبة؟
أدركوا وأيقنوا غاية الإيقان أنه لا ملجأ من اللَّه إِلَّا إليه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وأنهم يمْبغي أن يفروا إلى اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وأن القادر على تخليصهم من ذلك الكرب ومن تلك المصيبة التي وقعوا فيها - إنما هو رب العالمين، الذي يعلم السِّر وأخفى، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فرأوا أن يتقربوا إلى اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بصالح أعمالهم، بأصدق ما عملوا من أعمال في حياتهم؛ لعل اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- يكشف ما أصابهم من غم، ويزيل ما نزل بهم من هم، وما وقع عليهم من شدة وضيق.
فبدأ أولهم يتذكر أحسن عمل في نظره، ولذلك قال كل واحد منهم في خطابه وهو يخاطب ربه:"اللهم إن كنت تَعلم"، اللَّه يعلم كل شيء، يعلم ما تخفي الصدور، لكنهم قالوا ذلك لما كانوا غير متيقنين من إخلاصهم في أعمالهم؛ فاتجه أحدهم إلى اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بقلب صادق وعزيمة مخلصة، فتَذَكَّر عملًا من الأعمال التي عملها، فاتجه إلى اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- يدعو بذلك العمل، فاتجه إلى اللَّه فقال:"يا رب، اللهم إن كنت تعلم"، وهو بلا شك يعلم كل شيء، لكنه قال ذلك لشك منه في عمله أهو عملٌ حَسَنٌ أو لا؟
فقال:"اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي أَبَوَان شَيخان كبيران"، وفي بعض الروايات:"أبوان فقيران ضعيفان لا خادم لهما ولا راعي ولا ولي غيري"، وأنه كان يذهب في غنمه كل يوم، فإذا ما عاد جاء بلبن الغنم فسقى والديه، ثم سقى بعد ذلك أولاده.
(١) (أوى) الهمزة والواو والياء أصلان: أحدهما التجمع، والثاني الإشفاق. قال الخليل: "يقال: أوى الرجل إلى منزله، وآوى غيره أويًا وإيواء. ويقال: أوى إواء أيضًا. والأوي أحسن. قال اللَّه تعالى: {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ} [الكهف: ١٠]. انظر: "مقاييس اللغة" لابن فارس (١/ ١٥١).