للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* قوله: (هَلْ هِيَ مَحْمُولَة عَلَى الوُجُوبِ، أَوْ عَلَى النَّدْبِ، فَأَبُو حَنِيفَةَ حَمَلَهَا عَلَى ظَاهِرِهَا مِنَ الوُجُوبِ (١)، وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ اتَّبَعَا فِي مَفْهُومِهِمَا الصَّحَابَةَ، إِذْ كَانُوا هُمْ أَقْعَدَ بِفَهْمِهِم الأَوَامِرَ الشَّرْعِيَّةِ).

مالك والشافعي وأحمد (٢) وغيرهم من الفقهاء عامة.

وفي قول المؤلف: "هُمْ أَقْعَدَ بِفَهْمِهم الأَوَامِرَ الشَّرْعِيَّةِ"، لفتةٌ طيبةٌ، وأُذَكِّرك بقول عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- عندما قال: "مَنْ كانَ مُسْتَنًّا، فَلْيَسْتَنَّ بمَنْ قد ماتَ، فإنَّ الحيَّ لا تُؤمَنُ عليه الفِتْنَةُ، أولئك أصحابُ محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، كانوا أفضلَ هذه الأمة: أبرَّها قلوبًا، وأعمقَها علمًا، وأقلَّها تكلُّفًا" (٣).

فهؤلاء كانوا عَمِيقِين في العلم، وليس كما يُقَال بأن السلف أسلم، والخلف أعلم، بل نقول بأن السلف كانوا أعلم وأسلم؛ لأنهم تربَّوا في مدرسة محمد بن عبد اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، واستفادوا من منهج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، واقْتَبسوا من أسلوبِهِ، وهو الذي عليه الصلاة والسلام، قَدْ أُوتِيَ جوامع الكلم، فَتَأسَّوا بمدرستِهِ عليه الصلاة والسلام، وتلقَّوا العلمَ من تِلْكمُ المشكاة، لم تَشُبْ ذلك العلم شائبة، ولم يخالطه كدر، ولا إشكالٌ، فأَخَذوه صافيًا نقيًّا كما نزل.

فلا شكَّ أنهم - كَمَا ذكر المؤلف رَحِمَهُ اللَّهُ كانوا أعمقَ، وأكْثَر تقعيدًا، أَيْ أنَّهمْ أكثر عمقًا في فَهْم المَسَائل، وأكثر تدقيقًا في فهمها، وأكثر غوصًا في فَهْم لُبِّها، هكذا كان الصحابة -رضي اللَّه عنهم-.

والصَّحابَة يَمْتازون على غَيْرهم بما اختصَّهم اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى به من فضل وصفاء النية، كما وَرَدتْ في ذلك أدلة كثيرة.


(١) يُنظر: "التجريد" للقدوري (٢/ ٦٤٤)؛ حيث قال: "فجعل ذلك من شرط الإيمان وصفته، وهذا يقتضي الوجوب".
(٢) يُنظر: "الشرح الكبير" (٤/ ٢١١)؛ حيث قال: "سجود التلاوة سُنَّة مؤكدة، وليس بواجبٍ".
(٣) أخرجه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (٤/ ٢١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>