نافع، مولى ابن عمر أن رجلًا من أهل مصر، أخبره أن عمر بن الخطاب "قرأ سورة الحج فسجد فيها سجدتين"، ثم قوله:"إن هذه السورة فضلت بسجدتين"(١)، وعلَّل العلماء ذلك بأن الأولى جاءت إخبارًا، والثانية جاء فيها الأمر:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا}[الحج: ٧٧]، والأمر آكد من الخبر كما هو معلوم.
وأجاب العلماء بأن هؤلاء الذين قالوا: إن ذكر الركوع معها جعلوه علة في عدم السجود عندها، وقاسوا ذلك بقول اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣)} [آل عمران: ٤٣]، قالوا: فلا سجود هنا، فهنا أيضًا. لكن الحقَّ أنَّ ذكر الركوع مع السجود لا ينفي السجود؛ أعني: كون الركوع معه لا يؤثر في ذلك؛ لأن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يقول في آية أُخرى: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (١٠٩)} [الإسراء: ١٠٩]. وذِكر البكاء لم يؤثر على السجود، {خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا}[مريم: ٥٨]. وهنا ذُكر البكاء مع السجود ومع ذلك يُسجد فيها.
الإمام مالك يرى السجود عند قول اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- في سورة ص التي قرأها القارئ؛ لأنه يراها من عزائم السور، {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ}[ص: ٢٤].