للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولذا نجد أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أخذ بمَنْكِبِ عبد اللَّه بن عمر الصحابي الجليل فقال له: "كن في الدنيا كأنك غريبٌ أو عابرُ سَبِيلٍ" (١).

إذًا، مقام الإنسان في هذه الحياة الدنيا لا يتجاوز أن يكون غَريبًا، مَرَّ بمدينَةٍ أو قرْيَةٍ أو بلدة أو يكون أيضًا مسافرًا عرَّجَ عليها، وهذه الحياة إنما هي دارُ عمَلٍ وليست دارَ دَوامٍ وليست دار جزاء، وإنما الدار الآخرة هي التي يجد فيها الإنسان حياته.

ومهما طالت حياة الإنسان في هذه الدنيا ومهما تقلب في نَعِيمِها فإنه بلا شك سينتهي إلى الموت؛ لأن هذا أمر متحكم في حق كل إنسانٍ، كما قال اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠)} [الزمر: ٣٠]، واللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: ١٨٥].

فكل نفسٍ في هذه الحياة ستموت، وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لا نتَّخِذُ هذه الحياة وسيلة لتقربنا إلى اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؟!

تذكَّر في مَشْيبِكَ والمآب … ودفنِك حين مَوتِك في التُّراب

وليَأتِيَن عليك يوم مرة … يُبكى عليكَ مقنَّعًا لا تسمع

فكم نرى من الأموات الذين يمرون بنا، فيما مضى إذا مَرَّت الجنازة اقشعرت قلوب الناس وبقوا في ليلتهم في هَمٍّ، أما اليوم فإننا تَمُرُّ بنا الجنائز تلو الأُخرى وكأن ذلك أمرًا عاديًّا لا يحرك مشاعرَنَا ولا يؤثر في قلوب كثير مِنَّا، وإن وُجِدَ بحمد اللَّه من يتأثر بذلك.

والرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "استَحْيوا من اللَّه حقَّ الحياءِ". قالوا: يا رسول اللَّه إنا نَسْتَحِيي والحمد للَّه، قال: "ليس ذاك، ولكن الاستحياءَ من اللَّهِ حق الحياءِ أن تحفظَ الرأسَ وما وَعَى، والبطنَ وما حَوَى، ولِتَذْكُر المَوتَ والبِلى، ومن أراد الآخرة تَركَ زينةَ الدُّنْيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من اللَّه حق الحياء" (٢).


(١) أخرجه البخاري (٦٤١٦).
(٢) أخرجه الترمذي (٢٤٥٨)، وحسنه الألباني.

<<  <  ج: ص:  >  >>