للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هكذا كان السلف -رضي اللَّه عنهم-، لم يكونوا ينشغلون في الحياة الدنيا، فإذا ما استعد الإنسان للآخرة وأكثر من ذكرها وقَلَّتْ في عينه هذه الدنيا وزهد بها، فإنه حينئذ سيراجِعُ نفسه وسيُحاسِبُها حسابًا يسيرًا، إن كان قد ظَلَم غيرَهُ فليراجع المظالِمَ وليَعُدْ إلى اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وإذا كانت هذه الأحوال مطلوبة من المرء في كل وقت من أوقاتِهِ فهي تتأكد أكثر في حالة المَرَضِ، لأن الإنسان ربما لا يقوم من مرضه هذا وإنما يتوفَّاهُ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

ولذلك يقول الشاعر:

أَنَلهو وَأَيّامُنا تَذهَبُ … ونلعبُ والموتُ لا يَلعبُ

عجبت لذي لَعِبٍ قد لَهى … عجبت ومالي لا أعَجَبُ

أيلهو ويلعب من نفسه … تموتُ ومنزلُهُ يخربُ

أرى كُلَّ ما ساءنا دائمًا … على كلِّ ما سرنا يغلب

ترى الليل يطلبنا والنهار … ولم ندر أيهما أغلب

أحاط الجديدان جمعًا بنا … فليس لهما عنهما مهرب

وكلٌّ لهُ مدةٌ تنقضي … وكلٌ لهُ أجلٌ يُكتَبُ

كل إنسان في هذه الحياة سينتهي به المقام إلى الموت، ولذلك قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "خيركم من طال عُمُرُه وحَسُنَ عمله" (١)، والإنسان لا يضمن في أي لحظة ولا في أي ساعَةٍ يغادِرُ هذه الحياة الدنيا؛ فينبغي أن يكون في كل لحظة من لحظات عمره مُسْتَعِدًّا للموت متهيئًا له بعمل الأعمال الصالحة واجتناب الأعمال التي تضُرُّهُ في هذه الحياة.

يفعل كل ما يقرِّبُه إلى اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، يفعل كل ما يقرِّبُهُ إلى الجنة ويباعِدُهُ عن النار، وبذلك يعيشُ في هذه الحياة سعيدًا، حتى إذا ما أُلقِيَ في قَبْرِهِ وتولى عنه أصحابه وهو يسمع قَرْع نِعالِهِمْ، ويأتيه الملكان ويسألانه فإنه


(١) أخرجه الترمذي (٢٣٣٠)، وقال الألباني: "صحيح لغيره".

<<  <  ج: ص:  >  >>