للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم أنَّ الإنسانَ في هذه الحياة مهما طالت به الحياة، فإنَّ مصيره بلا شك إلى الممات.

لَا بُدَّ مِنْ تَلَفٍ مُقِيمٍ فَانْتَظِرْ … أَبِأَرْضِ قَومِك أَمْ بِأُخْرَى المَصْرَعُ (١)

هذا هو مصير الإنسان الذي سينتهي إليه.

قَسَّم المؤلف الموتى إلى قسمين: شهداء وغير شهداء.

ثم الشهداء منهم من يُقْتَل في المعركة، ومنهم من يموت في غير المعركة، فقد يموت بسبب الحريق أو الغرق، أو يقتل دون نفسه أو دون ماله أو دون أهله أو دون عرضه، وغير ذلك، ومن يُصَاب بالطاعون فهو شهيد، وقد عدَّد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كثيرًا من أنواع القتلى، وكذلك الذين يموتون ببعض الأمور بأنهم من الشهداء.

لكن هل يصل هؤلاء إلى درجة الشهداء الذين قَدَّموا أنفسهم رخيصةً في سبيل اللَّه لإعلاء كلَمة اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؟ الذين قاتلوا لتكون كلمة اللَّه هي العليا، وكلمة الذين كفروا السُّفْلى؟ هؤلاء الذين قُتِلُوا في المعركة إنما هم شهداء، هؤلاء الذين قاتلوا لإعلاء كلمة اللَّه.

أما مَنْ يقاتل لأجل العصبية، أو لأجل أن يُقَال فلان شجاع، أو لغير ذلك من الأسباب التي لَيْست من الدين في شيءٍ، فهذا لا يعتبر شهيدًا، وفي قصَّةِ الرجل الذي عُرِضَ عليه الإسلام، وأنْ يخرج مقاتلًا في واقعة بدرٍ، وجدَه أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ضمن الذين أُصِيبُوا، فذهبوا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يذكرون له حاله، فقال: "هُوَ فِي النَّارِ"، فعادوا إلى الرجل فوجدوه فيٍ آخر رمقٍ من حياته فسألوه: لِمَ قاتلت فقُتِلتَ، فبيَّن أنه إنما قاتل عصبيةً؛ فلنحذر من العصبية العمياء.


(١) ديوان الهذليين (١/ ٣).
روى هذا البيت في "المفضليات" لمنمم بن نويرة من قصيدته التي أوَّلها:
صرمت زنيبة حبل من لا يقطع. وروايته فيه:
لا بد من تلف مصيب فانتظر … أبأرض قومك أم بأخرى تصرع

<<  <  ج: ص:  >  >>