للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحسن هو الحسن البصري، وسعيد بن المسيب أيضًا، كلاهما من كبار وأجلَّاء التابعين، وحياتُهما وسِيرتُهما معروفة في خِدمة هذا الدِّين، وفي نقل ثرْوَةِ رسولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وتَرِكتِهِ التي أودعها في أصحابه، فإن أولئك النَّفَرَين من الذين نَقَلُوا سُنَّة رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وبلَّغوها للناس في وقتٍ، فَحَملها العدولُ عنهم.

وَلَهم مَواقفُ معروفةٌ في خِدمَةِ هذا الدِّينِ ونشْرِهِ، وفي الجهاد في سبيل اللَّه، وَفي الدعوة إليه، لكن العلماء يختلفون في مثل هذه المسائل، ولَا يلزم أيضًا أن يكون الحقُّ دائمًا في جانب الإنسان إذا كان صالحًا وتقيًّا وكان تابعيًّا أو غير ذلك، فإن العلماء يجتَهِدُون، والمجتهدُ قد يُصِيبُ، فإن أصاب فلَه أجران، وقد يجتهد قاصدًا الوصول إلى الحقِّ فيخطئ؛ فله أجرٌ على اجتهادِهِ: "إِذَا حَكَمَ الحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وإذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ" (١)، لكن مَنْ يجتهد في دين اللَّه عن جَهْلٍ وغير عِلْمٍ؛ فهذا ممن يَحكُمُ بدينِ اللَّه على جَهْلِ، فهذا لا يدخل في هذا الصِّنف، وإنما هذا يحكمُ بغير ما جاء عن اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولا عن رَسولِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-.

وهذا مما أشار إليه الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمِ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا" (٢)، وما أكثرَ الذين يُفْتُون عن جهْلٍ! وما أكثرَ الذينَ لا يعرفون الجوابَ فيَقُولُون بالجواب خشية أن يُقَال: إن فلانًا لا يعرِفُ الجوابَ، ونَسوا أن كبارَ الأئمة كالإمام مالك إمام دار الهجرة وغيره سُئِلَ عن مسائل كثيرة وقال فيها: لا أدْرِي (٣)؛ ولذلك قيل: "لا أدري نصفُ


(١) أخرجه البخاري (٧٣٥٢)، ومسلم (١٧١٦).
(٢) أخرجه البخاري (١٠٠)، ومسلم (٢٦٧٣).
(٣) جاء في "آداب الشافعي ومناقبه" (ص: ٧٩): عَنِ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: سَمِعْت مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَجْلانَ، يَقُولُ: "إِذَا أَغْفَلَ الْعَالِمُ لا أَدْرِي أُصِيبَتْ مَقَاتِلُهُ".

<<  <  ج: ص:  >  >>