للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العِلم" (١)، فقولك: "لا أدرِي" خير من أن تقول وأنتَ لا تَدْرِي؛ فتُفْتِي بجَهْلٍ، فربما توقع الناسَ في ارتكاب محظور أو مُحرَّم.

(وَلَعَلَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ أنَّ مَا فُعِلَ بِقَتْلَى أُحُدٍ كَانَ لِمَوْضِعِ الضَّرُورَةِ -أَعْنِي: الْمَشَقَّةَ فِي غُسْلِهِمْ-).

يعني: منهم مَنْ يرى أن هؤلاء قتلى كثيرون، وأن المسلمين قد انشَغَلُوا بأمورهم، فإنهم قد استَحرَّ بهم القتلُ في تلك المعركة بعد أن انتصروا في أوَّلها، قالوا: هذا لأجل الضرورةِ، أمَرَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بدَفْنهِمْ؛ فقَدْ وُجِدَ عدد من المسلمين ممن أصيب في نفْسه، -وممَّن أصيب في ذلك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإنه كُسِرَتْ رَبَاعيته، وأصيب أيضًا غيره من الصحابة الكثير.

إذًا، الإصاباتُ نَزَلت بالمسلمين، فالطرف الآخر يرى أن الدَّفنَ من غير تغْسيلٍ وصلاة إنما هو لأجل الضرورة؛ لكثرَةِ المَوتَى وانشغال المسلمين عنهم.

(وَقَالَ بِقَوْلِهِمْ مِنْ فُقَهَاءِ الأَمْصَارِ: عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيُّ (٢).


(١) أخرح الدارمي في "السنن" (١٨٦): عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ "لَا أَدْرِي نِصْفُ الْعِلْمِ"، وقال محقِّقه: "إسناده صحيح".
(٢) يُنظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (٥/ ١١٨)؛ حيث قال: "قال أبو عمر: لا أعلم أحدًا من فقهاء الأمصار قال بقول سعيد بن المسيب والحسن البصري في غسل الشهداء إلا عبيد اللَّه بن الحسن العنبري، وليس ما قالوه من ذلك بشيء؛ لأن الشيء الذي جعلوه علة ليس بعِلَّة لأن كل واحد من القتلى كان له أولياء يشتغلون به دون غيره وبل العلة في ذلك ما قاله رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أن الشهيد يأتي يوم القيامة وريح دمه كريح المسك"، واحتج بعض من ذهب من المتأخرين مذهب سعيد والحسن في ترك غسل الشهداء بقوله عليه السلام في شهداء أحد: "أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة"، قال: وهذا يدل على خصوصهم وأنهم لا يشركهم في ذلك غيرهم كما لا يشركهم في شهادة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال أبو عمر: يلزمه أن يقول في المحرم الذي وقصته ناقته أن لا يفعل بغيره من المسلمين كما فعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- به؛ لأنه قال فيه: "يُبعث يوم القيامة ملبيًّا"، وهو لا يقول بذلك".

<<  <  ج: ص:  >  >>