مع الإمام أحمد إلا أن مالكًا يرى أنه يواريه في التراب إذا احتيج إلى ذلك.
وعند الشافعية يرى أنه يُغسِّله ويدفِنُه، ويسيرُ في جنازتهِ، والحنفية يفرِّقون بين المرتدِّ وغيره؛ فيرون أن المرتد لا ينظر إليه، أما غيره فهم يتفقون مع الشافعية من حيث الجملة.
يَعْني: يخَاف ضياعه فيُوَاريه؛ لأن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يقول:{وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}؛ ففسر ذلك أن المُوَاراة إنما هي من المُصاحَبَةِ؛ لأنه مهما كان هو والده، وَإِنْ وُجِدَ ما يفصل بينهما، فهذا مسلِمٌ في الجنة، وهذا كافرٌ في النار، هذا مطيعٌ للَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وذاك عاصٍ له خارج على حدوده، فَشتَّان بين الاثنين، فكيف يأتي مسلم فيُغَسِّل كافرًا، ثم بعد ذلك يمشي في جنازته إشهارًا، ثم بعد ذلك يحفِرُ له ويدفنه، هذه وجهة هؤلاء.
وَأُولَئك المجيزون يَرَون أن هذا من المعاملة الحسنَةِ، والخلاف كلُّه يدور حول قصة أبي طالب عمِّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عندما جاء علي بن أبي طالب إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يخبره بموتِ عمِّه، وَالجَدير بالذكر أن أبَا طَالِبٍ له مواقف مشهودة مع رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، لكن وإن كانت له مواقف، ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ما ترك وسيلةً من الوسائل إلا وبذلها عَلَّه يدخل في الإِسلَام:"أَيْ عَمِّ، قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ"(١)، لكن الرجل قد انصرَفَ، وأراد أن يبقى على دِينِ آبائه وأجدادِه، أما رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فلم ينسَ، حاول معه، وفي مرَضِهِ الذي مات فيه عرَضَ عليه أن ينطقَ بالشهادتين فلم ينطق بهما خشية أن يقال بأنه تَغَيَّر وتَحَوَّلَ عن دِينِ آبائه وأجداده، إنها العصبِيَّةُ العمياءُ!