للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما جاء علي بن أبي طالب إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يخبره، فقال: إنَّ عمَّك الشيخَ الضالَّ قد مات، فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اذْهَبْ فَوَارِهِ، ثمَّ لَا تُحْدِثْ شَيْئًا حَتَّى تَأْتِيَنِي" قَالَ: فَوَاريتُهُ ثُمَّ أَتَيْتُهُ، قَالَ: "اذْهَبْ فَاغْتَسِلْ، ثُمَّ لَا تُحْدِثْ شَيْئًا حَتَّى تَأْتِيَنِي" (١)، فذهب فواراه في التراب، ثم عاد إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأمره أن يغتسل. . .

مَحلُّ الشاهد: أن رَسُول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر عليًّا أن يوارِيَ أباه؛ أي: أن يدفنه. . . ولم يَرِدْ في هذا الحديث الغُسْلَ، لكن كما ذكر ابن حجر وغيره كون الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- يطلب من عليٍّ -رضي اللَّه عنه- أن يغتسل بعد أن وارَاهُ، فإن هذا دليل على أنه غَسَّلَهُ، وسيأتي الكلام على الطريقة التي يُغَسَّل بها الميت، لكن ورد في بعض الروايات وتحتاج للتثَبُّت من صِحَّتها أن عليًّا غسَّلَ أباه؛ لأن الرسولَ -صلى اللَّه عليه وسلم- أمره بتغْسيلِهِ.

* قال: (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ (٢): لَا بَأْسَ بِغَسْلِ الْمُسْلِمِ قَرَابَتَهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَدَفْنِهِمْ).

بل قال الشافعي أيضًا: ويمشي في جنازة والده أو قريبه.

لَكن أبا حنيفة يُفرِّق بين الكافر الأصلي فيتفق مع الشافعية، وبين المرتدِّ فهو يختلف، فرَّق بين الكافر الأصلي الذي لم يَذُقِ الإيمان، ولم تخالط بشَاشتُهُ قلبَه، وبين إنسان ذاقَ حَلاوةَ الإيمان، ولكنه بعد ذلك ارتدَّ على عَقِبَيهِ، وَلذلك يَقُولُ الرَّسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ بدَّلَ دينَه فاقتلوه".

إذًا، المرتدُّ رَجلٌ دخل في الإسلام، فَعَرف ما في الإسلام من مَزَايا، وما يشتمل عليه من محاسن، ثم ارتدَّ ونكَص على عَقِبَيهِ، فاستبدل الكفرَ بالإيمانِ، واستبدل الظلام بالنُّور، فهذا حالُهُ أشد من حال الكافر


(١) أخرجه أحمد (٧٥٩)، وقال الأرناؤوط: "إسناده ضعيف".
(٢) يُنظر: "الأم" للشافعي (١/ ٣٠٣)؛ حيث قال: "ولا بأس أن يُغَسِّلَ المسلم ذا قَرابته من المشركين، ويتبع جنائزه، ويدفنه ولكن لا يصلي عليه، وذلك أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر عَلِيًّا -رضي اللَّه عنه- بغسل أبي طالب".

<<  <  ج: ص:  >  >>