أساء أو تعدى أو ظلم؛ فليستغفر اللَّه ويستَعْتِبُه في محْوِها، ويتحلل من أهل المظالم، ويرد إليهم حقوقهم، ففي الدنيا دينار ودرهم، وغدًا لا درهم ولا دينار، وإنما تؤخذ حقوق العباد من حسناته، فإن فنيت، أخذ من سيئاتهم وطرحت عليه، ثم طرح في النار، نسأل اللَّه -تعالى- العَفْوَ والعافية، فينبغي للإنسان أن يستفيد من هذا الموقف، هو في مِشية ينبغي أن يتذكر فيها الآخرة.
ولذلك أنكر العلماء على الذين يشتغلون بالكلام أو بأمورِ الدُّنيا أو يضحكون في مثل هذا المقام؛ لأن هذا دليلٌ على غفلة القَلْب وقِلَّةِ الاتعاظ والاعتبار، وعلى عدم تذكر الإنسان للموت، كما قال الرسولُ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَكْثِرُوا مِنْ ذِكرِ هَادِمِ اللَّذَّاتِ"(١)؛ لأن تذكر الإنسان للموت يعينه على الاجتهاد في الخير والإقصار عن الشرِّ، والتجهز لملاقاته والاستعداد للرحيل.
فهذا هو المراد الذي أشار إليه علي -رضي اللَّه عنه-، ونصح يه محدثه من تقديم الجنازة بين يديه وجَعْلِها نصب عينيه، ليحصل له من الاتعاظ والاعتبار بهذا المقام ما يكون عونًا على الاستعداد لذلك اليوم، وذلك المصرع.
ومثل هذه الحال من الاتعاظ والتدبر لا تحصل فقط بالمشي خلف الجنازة، بل تحصل بتشييعها على أي حال، سواء من أمامها أو من خلفها أو من أي جهة، لكن لعل الماشي خلف الجنازة يرى أكثر مما يرى غيره من بروز الجنازة على الأكتاف، وحشد الناس حولها فيكون أعمل في نفسه وأشد وقعًا وتأثيرًا عليها ونحو ذلك.