للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذا الحَديثُ فيه أنَّ رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-كبَّر أربعًا.

* قوله: (وَلِذَلِكَ، أَخَذَ بِهِ جُمْهُورُ فُقَهَاءِ الأَمْصَارِ، وَجَاءَ فِي هَذَا المَعْنَى أَيْضًا مِنْ: "أَنَّهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- صَلَّى عَلَى قَبْرِ مِسْكِينَةٍ، فَكَبَّرَ عَلَيْهَا أَرْبَعًا" (١)).

وهذه المرأة المسكينة لما علم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنها مرضت، وكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُعْنَى بأمر المساكين والفقراء والمحتاجين والمرضى، ولقد وَهَبَ اللَّه سبحانه تعالى نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم- من الرحمة والشفقة ما وَهَبه، فهو القائل سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٢٨)} [التوبة: ١٢٨]، {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: ١٥٩]، {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} [الأعراف: ١٩٩].

فعندما أدرك -صلى اللَّه عليه وسلم- مرضها، طلب من أصحابه أن يخبروه بموتها إذا ماتت، فماتت ليلًا، فأُخرجت جنازتها، وشقَّ على أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يقرعوا الباب على نبيهم، وأن يوقظوه من نومه، فاتخذوا ما اتخذوا في شأن تلك المرأة، فلما جاء اليوم الثاني أُخْبِرَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بذلك، فأنكر الأمر، وقال: "ألم أقل آذنوني؟ "، قالوا: بلى، ولكننا خشينا -أو: كرهنا- أن نوقظك من نومك، فأخذ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مَنْ معه وصلى على القبر.

وَبِهَذَا يستدلُّ العلماء على صحة الصلاة على القبر في حق مَنْ لم


(١) أخرجه النسائي (٢٠٢٢)، عن خارجة بن زيد بن ثابت، عن عمه يزيد بن ثابت، أنهم خرجوا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ذات يوم فرأى قبرًا جديدًا، فقال: "ما هذا؟ " قالوا: هذه فلانة مولاة بني فلان، فعرفها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ماتت ظهرًا وأنت نائم قائل، فلم نحب أن نوقظك بها، فقام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وصف الناس خلفه، وكبر عليها أربعًا، ثم قال: "لا يموت فيكم ميت ما دمت بين أظهركم إلا آذنتموني به، فإن صلاتي له رحمة".
وصححه الألباني في "صحيح الجامع الصغير" (٧٧٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>