للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"صَلَّيْتُ خَلْفَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى جَنَازَةٍ، فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ، فَقَالَ: لتَعْلَمُوا أَنَّهَا السُّنَّةُ" (١)، فَمَنْ ذَهَبَ إِلَى تَرْجِيحِ هَذَا الأَثَرِ عَلَى العَمَلِ (٢) وَكَانَ اسْمُ الصَّلَاةِ يَتَنَاوَلُ عِنْدَهُ صَلَاةَ الجَنَازَةِ، وَقَدْ قَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَا صَلَاةَ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ" (٣)، رَأَى قِرَاءَةَ فَاتِحَةِ الكِتَابِ فِيهَا).

اختلَف الفُقَهاء في قراءة الفاتحة بعد التكبيرة الأولى، فيرى المالكية والحنفيَّة أنه ليست هناك قراءة، واستدلَّ مالكٌ على ذلك بعمل أهل المدينة، وهو عنده مُقَدَّمٌ على أقضية الصحابة، كَمَا أنَّ مالكًا لا يقبل حديثًا خالف عمل أهل المدينة؛ لأن عملهم بمنزلة روايتهم عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ورواية الجماعة عن الجماعة أولى من رواية الفرد عن الفرد، ويرى الشَّافعيَّة والحنابلة أنَّه يقرأ الفاتحة (٤)، واستدلُّوا بالأثر الذي روى طلحة، وأنه صلى خلف ابن عباسٍ فقرأ (٥)، وصلاة الجنازة تقع تحت عموم قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَا صلَاة إلا بفاتحَة الكتاب" (٦)، من حيث إنها صلاة.

أَمَّا بعد التكبيرَة الثانية، فليسَ هناك خلاف بينهم، فمَذْهب الشافعية هو نفسه مذهب المالكيَّة والحنفيَّة من حيث الصلاة على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد الثانية، والدعاء للميِّت بعد الثالثة، والتسليم بعد الرابعة (٧).


(١) أخرجه البخاري (١٣٣٥).
(٢) وهم الشافعية والحنابلة وداود وأهل الظاهر.
(٣) أخرجه البخاري (٧٥٦)، ولفظه: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب". ومسلم (٣٩٤).
(٤) تقدم مفصلًا.
(٥) أخرجه النسائي في "السنن" (١٩٨٧)، عن طلحة بن عبد اللَّه بن عوف، قال: صليت خلف ابن عباس على جنازة، فقرأ بفاتحة الكمَاب، وسورة وجهر حتى أسمعنا، فلما فرغ أخذت بيده، فسألته فقال: "سنة وحق"، وصححه الألباني في "المشكاة" (١٦٥٤).
(٦) تقدم قريبًا.
(٧) لمذهب الحنفية، يُنظر: "بدائع الصنائع" للكاساني (١/ ٣١٢ - ٣١٣) حيث قال: "ثم يكبر أربع تكبيرات. . . وإذا كبر الثانية يأتي بالصلاة على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهي الصلاة =

<<  <  ج: ص:  >  >>