للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شيئًا من الغنيمة، وَهَذه كَبيرةٌ من الكبائر، فلا يجوز أن يؤخذ من الغنيمة؛ لأن الغنيمة حق للمؤمنين.

ويَخْتلف العلَماء أيضًا في إقامة الحدِّ بالنسبة لهذه المسألة، والحال تختلف: فرقٌ بين أن يأخذ من الغنيمة قبل تقسيمها (١)؛ فهذا ملكٌ عامٌّ، وبين أن يأخذ منها بعد أن يصل كلُّ سهمٍ ونصابٍ إلى صاحبه؛ فالحالة هنا أشد وأكبر (٢).

إذًا، الرَّسُولُ -صلى اللَّه عليه وسلم- توقَّف عن الصلاة على الغالِّ، ولم يصلِّ على الذي قتل نفسه؛ ولذلك لما جاؤوا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- برجلٍ قتل نفسه بمشاقصَ (٣)، يعني: بنصل، لم يُصلِّ عليه رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (٤)؛ لأنه لا يجوز للإنسان أن يقتل نفسه عمدًا؛ لأن هذا جَزعٌ من مُصِيبَةٍ نَزَلتْ به، أو حادثة حلَّت به، أو ضاقت به الدنيا، فهو لم يتحمل، ولم يصبر، ولم يتمثل قول اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (١٥٣) وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (١٥٤) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (١٥٥) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (١٥٦) أُولَئِكَ


(١) وهذا غلول، ويحرق متاع الغال عند الحنابلة.
يُنظر: "كشاف القناع" للبهوتي (٣/ ٩٢). حيث قال: " (والغال من الغنيمة، وهو من كتم ما غنمه، أو) كتم (بعضه: يجب حرق رحله كله) لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأبا بكر، وعمر حرقوا متاع الغال" رواه أبو داود. . . (ما لم يكن باعه أو وهبه)، فلا يحرق؛ لأنه عقوبة لغير الجاني (إذا كان) الغال (حيًّا). . (حرًا). . (مكلفًا)؛ لأن الإحراق عقوبة، وغير المكلف ليس من أهلها".
(٢) وهذه سرقة، يُنظر: "الإقناع" لابن القطان (٢/ ٢٦٣). حيث قال: "واتفق أئمة الفتوى بالأمصار على مراعاة الحرز فيما سرقه السارق. . . . والقطع واجب بإجماع على من سرق من حرز وهو حق للَّه عزَّ وجلَّ".
(٣) المشقص: نصل السهم إذا كان طويلًا غير عريض، فإذا كان عريضًا فهو المعبلة. انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير (٢/ ٤٩٥).
(٤) أخرجه مسلم (٩٧٨)، عن جابر بن سمرة، قال: "أتي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- برجل قتل نفسه بمشاقص، فلم يصل عليه".

<<  <  ج: ص:  >  >>