للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: ١٥٣ - ١٥٧].

{هُمُ الْمُهْتَدُونَ}؛ لأنَّهُم استكَانوا لحكم اللَّه، وَصَبَروا على قضائه وقدره؛ وحمدوا اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على كل أمرٍ من أمورهم؛ لأن ما يأتيك في هذه الدنيا إنما هو من اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وما يؤخذ منك، فهو ما للَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فإن للَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ما أعطى، وله ما أخذ، فلا ينبغي لمُؤْمنٍ في هذه الحياة إذا نَزَلتْ به نَازلةٌ، أو حَلَّت به مصيبةٌ من فَقْدِ وَلَدٍ أن يقتل نفسه، والرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- عندما تُوفِّي ابنه إبراهيم قال: "تَدْمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلَّا ما يُرْضي الرَّبَّ، وإنا بك يا إبراهيم لمَحْزونون" (١).

وخَيْر درسٍ في ذلك وعبرة: ما وقَع لأمِّ سلمة عندما تُوفِّي زوجها أبو سلمة، فإنها قالت: ومن بعد أبي سلمة؟ فلما دَخَل عليها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أرشدها إلى حَدِيثٍ هي روته، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: "ما من عَبْدٍ تصيبه مصيبةٌ فيقول: إنا للَّه، وإنا إليه راجعون، اللهم اؤجرني في مصيبتي، واخلفا لي خيرًا منها، إلا آجره اللَّه في مصيبته، وأخلف له خيرًا منها"، فَكَانت النتيجة أن امتثلت أُمُّ سلمة زوج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وصية رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ووقفت عندها، وعملت بها، فكانت النتيجة أن استبدلها اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بخَيْرٍ من أبي سلمة: هو مُحمَّد بن عبد اللَّه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الذي أصبح زوجًا لها (٢).

هَكَذا هو شأن المؤمنين، ولذلك نجد أن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قارن الصَّبر


(١) أخرجه البخاري (١٣٠٣)، ومسلم (٢٣١٥).
(٢) أخرجه مسلم (٩١٨)، عن أم سلمة، أنها قالت: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، يقول: "ما من مسلم تصيبه مصيبة، فيقول ما أمره اللَّه: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}، اللهم أجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيرًا منها، إلا أخلف اللَّه له خيرًا منها"، قالت: فلما مات أبو سلمة، قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة؟ أول بيت هاجر إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم إني قلتها، فأخلف اللَّه لي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قالت: أرسل إلي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حاطب بن أبي بلتعة يخطبني له، فقلت: إن لي بنتًا وأنا غيور، فقال: "أما ابنتها فندعو اللَّه أن يغنيها عنها، وأدعو اللَّه أن يذهب بالغيرة".

<<  <  ج: ص:  >  >>