للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالصلاة، فقال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (٤٥) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (٤٦)} [البقرة: ٤٥ - ٤٦]، هَذَا هو شأن كلِّ مؤمن، إذا نَزَل به أمرٌ من الأمور، أمرٌ يُكدِّر خاطره، أو يؤثر على نفسه، فهو يتألم، ولا يستطيع أن يكظم الألم، ولا مانع أن يبكي، لكن لا يتجاوز الحد فيصرخ، ويلطم نفسه، ويشق ثيابه، ويعمل بعمل أهل الجاهلية التي حَذَّرنا رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- منها بقوله: "ليسَ منَّا مَنْ ضرب الخدود، وشقَّ الجيوب، ودَعا بدعوى الجاهلية" (١).

* قَالَ: (وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ).

فَمِنَ العُلَماء مَنْ قال: يُصلَّى على كلِّ مَنْ قال: لا إله إلا اللَّه، ويأخُذُون بحديث: "صلُّوا على مَنْ قال: لا إلَه إلَّا اللَّه" (٢)، وقَدْ أشرنا إلى أنَّ في هذا الحديث ضعفًا، وأن العلماء قد تكلَّموا عنه، ومن العلماء مَنْ فصل القول في ذلك، فقال: يصلَّى على كل مرتكبِ صغيرةٍ، وكذلك فإنهم اتفقوا من حيث الجملة على الصلاة على أهل الكبائر، ما عدا أبا حنيفة، فقد استثنى من أولئك البغاة، وكذلك المحاربين، ورأى الإمام مالك أنه لا يُصلَّى على من قُتِلَ حدًّا؛ أي: لا يُصلِّي عليه الإمام، واستدلَّ على ذلك بقصة ماعزٍ، وأَنَّ رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يصلِّ عليه، ولم يَنْه عن الصَّلاة عليه (٣).

لَكن الَّذي وقَع فيه اختلافٌ بين العلماء هُمْ أهلُ البدع، وأهلُ البدع المقصود بهم هنا هم الذي ابتدعوا في عقيدة التوحيد، فهؤلاء هم الذين تركوا عقولهم تسبح أيضًا في بعض الأمور حتى وقعوا فيما وقعوا فيه من نَفْي أفعال العباد، وكذلك أولئك الذين نفوا القدر، وأمثال هؤلاء، فإن هؤلاء مِنَ العلماء مَنْ توقَّف في الصلاة عليهم، ومن العلماء مَنْ رأى أنه


(١) أخرجه البخاري (١٢٩٤)، ومسلم (١٠٣).
(٢) أخرجه الدارقطني في السنن (٢/ ٤٠١)، وضعفه الألباني في "الإرواء" (٧٢٨).
(٣) تقدم كل ذلك مفصلًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>