للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهَذِهِ مسألةٌ مهمةٌ جدًّا، وهي الصلاة على الغائب، فقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على النجاشيِّ (١)، فهل هذا تشريعٌ؟ يعني: هل صلاة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- شريعةٌ مستقرةٌ وحكمٌ ثابتٌ يقتدى به، فيُصلَّى على كل غائبٍ؟ أو أنَّ المسألة فيها تفصيلٌ؟

قَالَ بَعْضُ العلَماء: يُصلَّى على كلِّ غائب.

وَمِنَ العلمَاء مَنْ فَصَّل القولَ في ذلك، فقال: إنْ كان الغائب في بلدٍ لا يوجد فيها مسلمون يصلُّون عليه، فيصلَّى على الغائب كَمَا كان من النجاشي عندما صلَّى عليه رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإنْ كان في البلد الذي مات فيه مسلمون، وقاموا بالصلاة عليه، فإنه يُكْتفى بصلاتهم.

وَمِنَ العُلَمَاء مَنْ قال (٢): إنَّ صلاة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على النجاشي كانت خاصةً به؛ لأنه لا بدَّ من مشاهدة الإمام لمن يصلي عليه، فيقولون: زويت (٣) الأرض لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كما جاء في الحديث المتفق عليه: "أنها زويت له الأرض، فرأى مشارقها ومغاربها" (٤)، يقول العلماء: زويت له الأرض فرآه، وبعضهم يقول: ربما كان رآه على سرير أو نحو ذلك.


= لأن الميت إن كان في جانب المشرق فإن استقبل القبلة في الصلاة عليه كان الميت خلفه، وإن استقبل الميت كان مصليًّا لغير القبلة وكل ذلك لا يجوز".
ولمذهب المالكية، يُنظر: "الشرح الكبير" للدردير (١/ ٤٢٧). حيث قال: " (قوله ولا يصلى على غائب)؛ أي: يكره، وأما صلاته -عليه الصلاة والسلام- وهو بالمدينة على النجاشي لما بلغه موته بالحبشة فذاك من خصوصياته أو أن صلاته لم تكن على غائب لرفعه له -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى رآه فتكون صلاته عليه كصلاة الإمام على ميت رآه ولم يره المأمومون".
(١) أخرجه البخاري (١٣٣٤)، ومسلم (٩٥٢)، عن جابر -رضي اللَّه عنه-: "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- صلى على أصحمة النجاشي فكبر أربعًا".
(٢) وهم المالكية والحنفية، وسيأتي تفصيله.
(٣) زويت: جمعت. وزويت الشيء: جمعته وقبضته. انظر: "غريب الحديث" للقاسم بن سلام (١/ ٣).
(٤) أخرجه مسلم (٢٨٨٩)، عن ثوبان، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن اللَّه زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض. . . . ".

<<  <  ج: ص:  >  >>