للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا شكَّ أنه ليس هناك دليلٌ عن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- يدل على ذلك، لكن هذه استنباطات فَهِمَهَا بعض العلماء؛ ولذلك قال بعض العلماء: يصلى على الغائب.

أقول: ما دَامَ رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قَدْ صلَّى على النجاشي ومعه المؤمنون، ولم يقل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو الذي يشرع الأحكام ويُبيِّنها عن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - بأن ذلك خاص، والوقت كان وقتَ بيانٍ، القاعدة الأصولية المعروفة تقول: "تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز" (١)، ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد أَمَرَه اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بأن يُبيِّن للناس ما نزل إليهم، {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤]، {لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ} [النحل: ٦٤].

إذًا، رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُبيِّن، قال العلماء: لمَّا صلى على النجاشي وسكت، أصبح ذلك شرعًا يُعْمل، لكن ليس ذلك لازمًا، فلو وُجِدَ إنسانٌ من الصالحين، وَممَّن له مكانةٌ عظيمةٌ، ونريد أن يُصلَّى عليه وهو غائبٌ، فلا نرى مانعًا من ذلك، واللَّه أعلم.

* قوله: (وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُصَلَّى عَلَى الغَائِبِ (٢) لِحَدِيثِ النَّجَاشِيِّ (٣)).


(١) يُنظر: "روضة الناظر" لابن قدامة (١/ ٥٣٤). حيث قال: "ولا خلاف في: أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة".
(٢) وهو مذهب الشافعية، والحنابلة.
ولمذهب الشافعية، يُنظر: "مغني المحتاج" للشربيني (٢/ ٢٧). حيث قال: " (ويصلى على الغائب عن البلد) وإن قربت المسافة ولم يكن في جهة القبلة خلافًا لأبي حنيفة ومالك؛ لأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- "أخبر الناس وهو بالمدينة بموت النجاشي في اليوم الذي مات فيه وهو بالحبشة". رواه الشيخان. وذلك في رجب سنة تسع. قال ابن القطان: لكنها لا تسقط الفرض عن الحاضرين. قال الزركشي: ووجهه أن فيه ازدراء وتهاونًا بالميت، لكن الأقرب السقوط لحصول الفرض، وظاهره أن محله إذا علم الحاضرون ولا بد أن يعلم أو يظن أنه قد غسل وإلا لم تصح".
ولمذهب الحنابلة، يُنظر: "كشاف القناع" للبهوتي (٢/ ١٢١). حيث قال: " (ويصلي إمام) أعظم (وغيره على غائب عن البلد، ولو كان دون مسافة قصر، أو) كان (في غير جهة القبلة) أي: قبلة المصلي (بالنية إلى شهر) كالصلاة على القبر، لكن يكون الشهر هنا من موته. . . ".
(٣) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>