للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُؤتى بقبرٍ فيوضع في المسجد، فلا يجوز أن تُتخذ المقابر مساجد (١)، ولا يجوز أن يُؤتى إلى موضعٍ فيه قبرٌ فيُبنى عليه مسجدٌ من المساجد، ولا يجوز أيضًا لأولئك الذين يترددون على المقابر فينطرحون بين القبور، ويتمرَّغون في ترابها، ويلجؤون إلى أصحابها، ويدَّعون أن عندهم من الصلاح والولاية ما يجعلهم واسطةً بينهم وبين اللَّه فيشفعون لهم، وهذا نوعٌ من الشرك، بل قد يصل الحال به إلى الشرك الأكبر المحبط للأعمال الموجب للخلود في النار إذا اعتقد الحيُّ بهذا الميت أنه ينفع ويضر.

ومعلوم أن الغلو في الأموات إنما أوقع أممًا قبلنا في الشرك، غلوا في الصالحين من موتاهم، حتى جعلوا لهم التصاوير والتماثيل، ثم انتهى بهم الأمر إلى أن عبدوهم من دون اللَّه.

فهؤلاء الذين يطوفون بالقبور، ويطلبون من أهلها الشفاعة، أو رفع الكرب، أو جلب النفع، أو دفع الضر، هم في الحقيقة جُهَّال؛ لأنه لا يُطلب النفع والضر إلا من الخالق المالك الذي لا ينازعه أحد في ملكه،


(١) مذهب الحنفية الكراهة التحريمية، يُنظر: "كتاب الآثار"، للإمام محمد (٢/ ١٩٠)؛ حيث قال: " (لا نرى أن يزداد على ما خرج من القبر، ونكره أن يجصص أو يطين أو يجعل عنده مسجدًا". ويُنظر: "النتف في الفتاوى للسغدي" (١/ ١٣٠).
مذهب المالكية، يُنظر: "الجامع لأحكام القرآن"، للقرطبي (١٠/ ٣٨٠)؛ حيث قال: "قال علماؤنا: وهذا يحرم على المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء والعلماء مساجد".
مذهب الشافعية، يُنظر: "الزواجر عن اقتراف الكبائر"، للهيتمي (١/ ١٤٤)، حيث قال: " (الكبيرة الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة والثامنة والتاسعة اتخاذ القبور مساجد وإيقاد السرج عليها، واتخاذها أوثانًا والطواف بها واستلامها والصلاة إليها").
مذهب الحنابلة، يُنظر: "كشاف القناع"، للبهوتي (٢/ ١٤١)، حيث قال: " (و) يحرم (اتخاذ المسجد عليها) أي: القبور (وبينها لحديث أبي هريرة أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لعن اللَّه اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد") متفق عليه. (وتتعين إزالتها) أي: المساجد، إذا وضعت على القبور، أو بينها (وفي كتاب "الهدي) النبوي" لابن قيم الجوزية (لو وضع المسجد والقبر معًا لم يجز ولم يصح الوقف ولا الصلاة) تغليبًا لجانب الحظر".

<<  <  ج: ص:  >  >>