للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لا ينهى عن أمر إلا والخير في تركه، ولا يأمر بشيء إلا والخير في فعله؛ ولذلك يقول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا نَهيتُكم عن شيءٍ فاجتنبوهُ وإذا أمرتُكم بأمرٍ فأتوا منْهُ ما استطعتُم" (١).

فإذا نهانا رسول اللَّه عن شيء ينبغي علينا أن نقول كما قال اللَّه: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [النور: ٥١].

وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: ٢٤].

إذن فكل أمر قد ابتُدع في دين اللَّه عزَّ وجلَّ لا ينبغي أن نعمل به، وإذا تحيَّرنا في أمر من الأمور، أو ضاقت علينا المسائل، أو وُجِد من العلماء من يقول بالجواز، فلنرجع إلى ما كان عليه الصدر الأول، إلى أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، إلى تلاميذ مدرسته -صلى اللَّه عليه وسلم-، إلى الذين جمعوا بين العلم والعمل، سنجد أنهم لم يجصِّصوا القبور ولم يبنوا عليها، ولم يكونوا يطوفون حول القبور، ولا يطلبون الشفاعة من أهلها.

بل كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مدفونًا بين ظهرانيهم ومع ذلك لم يكونوا يطلبون منه الشفاعة، كانوا يستسقون به في حياته، فلما مات استسقوْا بعمِّه العباس بن عبد المطلب (٢)؛ لأنه حيٌّ يملك الدعاء، فإذا كان هذا في شأن


= مذهب الحنابلة، يُنظر: "كشاف القناع"، للبهوتي (٢/ ١٤٠)؛ حيث قال: " (ويكره المبيت عنده)؛ أي: القبر (وتجصيصه وتزويقه، وتخليقه وتقبيله والطواف به وتبخيره وكتابة الرقاع إليه، ودسها في الأنقاب والاستشفاء بالتربة من الأسقام) لأن ذلك كله من البدع".
مذهب أهل الظاهر، يُنظر: "المحلى"، لابن حزم (٣/ ٣٥٦)؛ حيث قال: "لا يحل أن يبنى القبر، ولا أن يجصص، ولا أن يزاد على ترابه شيء، ويهدم كل ذلك".
(١) أخرجه البخاري (٧٢٨٨)، ومسلم (١٣٣٧) عن أبي هريرة.
(٢) معنى حديث أخرجه البخاري (١٠١٠) عن أنس بن مالك: أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب، فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قال: فيسقون".

<<  <  ج: ص:  >  >>