للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المنهي عنه هو الجلوس لقضاء الحاجة من بول أو غائط (١)، والصحيح هو المنع مطلقًا (٢)؛ لأن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم (٣) وغيره (٤): "لَأَنْ يجلسَ أحدُكم على جمرةٍ فتُحرقَ ثيابَه، فتخلُصَ إلى جلدِه، خيرٌ له من أن يجلسَ على قبرٍ".

وانظر -رعاك اللَّه-! لو أن إنسانًا يجلس على قطعة من نار، فتُحرق ثيابه، فإذا انتهت ثيابُهُ وصلت إلى جلده، يقينًا أنه لن يتحمل هذا الألم؛ إذن جلوسك على جمرةٍ تخرق ثيابك، فتصمل إلى جلدك فتُحرقه، هي أهون من أن تجلس على قبر مؤمن؛ لأن المؤمن له حُرمة.

وتكميلًا لما ذكرناه سابقًا: نشير إلى ما يفعله بعض المؤمنين -هداهم اللَّه- من التمسُّح ببعض الجُدُر والحجارة عند قبور من يعدونهم من الصالحين، وربما تكون قبورًا خيالية غير صحيحة، لا يُعرف من المدفون فيها، وهذا كله غير جائزٍ.

ولذلك ورد أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- الذي كان يعبد الأصنام في الجاهلية، وقف عند الحجر الأسود قائلًا: "واللَّه إني لأعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر، ولولا أني رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُقبِّلك ما قبَّلتك" (٥).

إذن؛ تقبيل الحجر الأسود توقيفٌ وتشريعٌ؛ لأنه جاء عن


(١) يُنظر: "المنتقى شرح الموطأ"، للباجي (٢/ ٢٤)، حيث قال: "فتأول مالك رَحِمَهُ اللَّهُ هذا على أن النهي عن الجلوس على القبور إنما تناول الجلوس عليها لقضاء الحاجة".
(٢) يُنظر: "المفهم"، لأبي العباس القرطبي (٨/ ١٠٢)؛ حيث قال: "اختلف في معناه: فمنهم من حمله على ظاهره من الجلوس، ورأى أن القبر يحترم كما يحترم المسلم المدفون فيه، فيعامل بالأدب، وبالتسليم عليه، وبغير ذلك، ومنهم من تأوَّله على أنه كناية عن إلقاء الحدث في القبور، وهو تأويل مالك، ولا شك في أن التخلي على القبور وبينها ممنوع، إما بهذا الحديث، وأما بغيره؛ لحديث الملاعن الثلاث، فإنه مجلس الزائر".
(٣) أخرجه مسلم (٩٧١).
(٤) أخرجه أبو داود (٣٢٢٨)، والنسائي (٢٠٤٤)، وابن ماجه (١٥٦٦).
(٥) أخرجه البخاري (١٥٩٧)، ومسلم (١٢٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>