للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد أن فكَّر فيه ودرسه وطبَّقه على أصول هذه الشريعة، بل سترون أننا سنحتجُّ على الشافعية والحنابلة بأن أصول مذهبهم ينبغي أن تلتقي مع هذا القول، وأرجو لو فصَّلنا القول في هذه المسألة، فهي مسألة جوهرية ومهمة، ولها علاقةٌ وثيقةٌ بربط هذه الأقوال بروحِ الشَّريعةِ الإسلاميةِ.

> قوله: (وَحَدَّدَ أَبُو حَنِيفَةَ بِمَا يَكُونُ الظَّاهِرُ مِنْهُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَصَابعَ) (١).

هنا يأتي المأخذ على مذهب أبي حنيفة أنه حدَّد ذلك، دالا فهو على القول بالتجاوز عن اليسير مع الإمام مالكٍ، ولكنَّه حدَّده بما يكون الظاهر منه أقلَّ من ثلاثة أصابع؛ على أساس أنه ورد المسح بالأصابع، وكما ذكرنا أن المسح بخمسة أصابع، وأنَّ أقلَّ الجمع يطلق على ثلاثةٍ، فدار كلامُ أبي حنيفة حول هذه المسألة، وهذا التعريف.

> قوله: (وَقَالَ قَوْمٌ بِجَوَازِ المَسْحِ عَلَى الخُفِّ المُنْخَرِقِ مَا دَامَ يُسَمَّى خُفًّا، وَإِنْ تَفَاحَشَ خَرْقُهُ، وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ ذَلِكَ الثَّوْرِيُّ) (٢).

قالوا بجواز المسح مطلقًا، فهذا الخف إذا تشقق من عدة جوانب وبقي ماسكًا للخف، نرجع إلى الأصل في لغة العرب، فهل يُسمّى هذا الخف خفّا أو لا يسمى؟ فإن كان العرب لا يسمونه خفًّا انتهى الأمر، وإن كان لا يزال اسم الخُفِّ يُطلق عليه فينبغي أن نمسَحَ عليه، لأنَّ الرسول - عليه الصلاة والسلام- مسح على الخفَّين، ورخَّص في المسح عليهما، ولم يمنعْ من المسح على الخفِّ المخرَّقِّ.


(١) يُنظر: "الدر المختار، وحاشية ابن عابدين" (١/ ٢٦٢)؛ حيث قال: "شرط مسحه" ثلاثة أمور: الأول (كونه ساتر) محل فرض الغسل (القدم مع الكعب) أو يكون نقصانه أقل من الخرق المانع، فيجوز على الزربول لو مشدودًا إلا أن يظهر قدر ثلاثة أصابع".
(٢) أخرج عبد الرزاق في: "مصنفه" (١/ ١٩٤): قال الثوري: "امسح عليها ما تعلقت به رجلك، وهل كانت خفاف المهاجرين والأنصار إلا مخرقة مشققة مرقعة".

<<  <  ج: ص:  >  >>