للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالقبور لا تُزار ليطاف بها، ولا ليُدعى أهلها، وإنما تُزار ليُدعى لأصحابها، وتُزار أيضًا لتذكير الأحياء بالآخرة؛ لأن الحي إذا علم أن مصيره سيكون كمصير هؤلاء الأموات؛ فحينئذٍ يراجع نفسه، فليس هناك إنسان بعد اللَّه أعلم من الإنسان بنفسه؛ فهو الذي يعرف الخطأ الذي ارتكبه، والسيئات، ما ارتكبه في حق نفسه، وما ارتكبه في حق عباد اللَّه، فهو الذي يستطيع أن يُقلع عن السيئات، وهو الذي يعرف عيوب نفسه فيُصلحها، فيتوب، ويُنيب إلى اللَّه، ويرجع إليه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

فالمقبرة مدرسة وموعظة، هذه المقبرة التي تزورها وترى فيها الأموات كان رسول اللَّه نهى عنها، ثم أمر بزيارتها، ورخَّص في ذلك؛ لأنها دافعٌ لك أن تتذكَّر الآخرة، وإذا تذكَّرت الموت حينئذٍ يقل في عينك كل كبير، ويكثر كل قليل؛ لأنك تُدرك أنك مهما جمعت من المال، ومهما أُعطيت من المناصب في هذه الدنيا، ومهما بلغت من شهرة، فإن مصيرك أنك تُدفن في هذا التراب كما دُفن غيرك من الأموات الذين ذهبتَ تزورهم، وتترحَّم عليهم، وتقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين، يرحم اللَّه المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم، نسأل اللَّه لنا ولكم العافية.

* قوله: (وَمِنْهَا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ قَالَ: "رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَلَى قَبْرٍ، فَقَالَ: انْزِلْ عَنِ القَبْرِ، لَا تُؤْذِي صَاحِبَ القَبْرِ، وَلَا يُؤْذِيكَ") (١).

المعروف هو حديث عمار بن حزم (٢)، وربما هذا حديث آخر، ومهما يكن فالحديث فيه مقال.


(١) أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (١/ ٥١٥) عن عمرو بن حزم، قال: رآني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على قبر فقال: "انزل عن القبر، لا تؤذ صاحب القبر فلا يؤذيك".
والحديث ضعيف فيه ابن لهيعة، وهو سيئ الحفظ. انظر: "إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة"، للبوصيري (٢/ ٥١٤).
(٢) أخرجه أحمد في "مسنده" (٣٨) عن عمارة بن حزم، قال: رآني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- =

<<  <  ج: ص:  >  >>