للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في النصرانية (١)، فأرسل إليهم عمر -رضي اللَّه عنه- يطلب منهم الجزية، فقالوا: ندفع لكم ما يدفعه أمثالنا، فقال عمر: لا نأخذ الزكاة من مشرك، فانحازوا إلى الروم، فأشار بعض أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على عمر -رضي اللَّه عنه- أن يرد أولئك الأقوام لأن لهم شوكة وقوة، فاقتنع عمر -رضي اللَّه عنه- بذلك فردهم، وضعَّف الزكاة عليهم (٢)؛ أي: فجعلها جزية ضعَّفها عليهم.

من هذه المسألة تفرعت مسألة أُخرى لم يذكرها المؤلف: اختلف العلماء في جواز أن يبيع المسلم أرضه أو يؤجرها لذميٍّ (٣): بعض العلماء يكره ذلك وبعضهم يُجيز ذلك.


(١) يُنظر: "فتوح البلدان"، للبَلَاذُري (ص ١٨١ - ١٨٢)؛ حيث روى بسنده إلى السفاح الشيباني: "أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- أراد أن يأخذ الجزية من نصارى بني تغلب فانطلقوا هاربين ولحقت طائفة منهم ببعد من الأرض، فقال النعمان بن زرعة أو زرعة بن النعمان: أنشدك اللَّه في بني تغلب فإنهم قوم من العرب نائفون من الجزية وهم قوم شديدة نكايتهم فلا يغن عدوك عليك بهم فأرسل عمر في طلبهم فردهم وأضعف عليهم الصدقة".
(٢) يُنظر: "المبسوط"، للسرخسي (٢/ ١٧٨)؛ حيث قال: "وبنو تغلب قوم من النصارى من العرب كانوا بقرب الروم فلما أراد عمر -رضي اللَّه عنه- أن يوظف عليهم الجزية أبوا وقالوا: نحن من العرب نأنف من أداء الجزية فإن وظفت علينا الجزية لحقنا بأعدائك من الروم، وإن رأيت أن تأخذ منا ما يأخذ بعضكم من بعض وتضعفه علينا فعلنا ذلك فشاور عمر -رضي اللَّه عنه- الصحابة في ذلك وكان الذي يسعى بينه وبينهم كردوس التغلبي، فقال: يا أمير المؤمنين، صالِحْهم، فإنك إن تناجزهم لم تطقهم فصالحهم عمر -رضي اللَّه عنه- على أن يأخذ منهم ضعف ما يؤخذ من المسلمين، ولم يتعرض لهذا الصلح بعده عثمان".
(٣) مذهب الحنفية، يُنظر: "بدائع الصنائع"، للكاساني (٤/ ١٧٦)؛ حيث قال: "وأما كون العاقد طائعًا جادًّا عامدًا فليس بشرط لانعقاد هذا العقد ولا لنفاذه عندنا لكنه من شرائط الصحة كما في بيعَ العين، وإسلامه ليس بشرط أصلًا فتجوز الإجارة والاستئجار من المسلم، والذمي، والحربي المستأمن؛ لأن هذا من عقود المعاوضات فيملكه المسلم، والكافر جميعًا كالبياعات، غير أن الذمي إن استأجر دارًا من مسلم في المصر فأراد أن يتخذها مصلى للعامة ويضرب فيها بالناقوس له ذلك، ولرب الدار وعامة المسلمين أن يمنعوه من ذلك على طريق الحسبة لما فيه من إحداث شعائر لهم وفيه تهاون بالمسلمين، واستخفاف بهم كما يمنع من =

<<  <  ج: ص:  >  >>