كان الصحابة رضوان الله عليهم في نفس هذا المنهج، إذًا لم تكن أمور الدنيا تشغلهم كثيرًا.
ولهذا نجد أنَّ الذين قالوا بجواز المسح على الخفّ المخرَّق إنَّما أخذوا ذلك من لبّ هذه الشريعة وأصولها.
وقد بيَّنا سابقًا: أنَّ أصولَ المذهبين -الشافعي والحنبلي- عندما يُدقّق فيهما نجد أنها يلتقيان في الحقيقة مع قول المالكية والحنفية، لأنَّ هذين المذهبين بُنِيا على التيسير والتخفيف.
هذه قضيةٌ أُخرى: وهي الفرق بين الخرق اليسير والكثير، وفي العادة أنَّ العلماء يقولون: اليسير يُتسامح به، فالنجاسات مثلًا مع أهميتها ووجوب التنزُّه منها والتأكيد على ذلك، نجد أنَّ هناك ما يُعفى عنه من قليل النجاسات، كذلك فيما يتعلق بستر العورة قد يبدو من عورة الإنسان شيءٌ قليل فيُعفى عنه، إلى غير ذلك ممَّا تعمُّ به البلوى كما ذكرنا.
هذا كلامٌ صحيح، والإمام الثوري: هو إمام من كبار الأئمة، يقول: إنَّ خفاف المهاجرين والأنصار من الصحابة - رضي الله عنهم -، لا تخلو من الخروق؛ لأنَّهم يقطعون الفيافي والقفار، ويركبون السَّهل والوعر، ويشتغلون في الأسواق وفي المزارع، إلى غير ذلك من الأمور، فمن يضمن أن تكون خفافهم سليمةً، لا سيما وأنَّ الإنسان يُسافر ولا يوجد معه ما يستطيع أن يرقع به ذلك الخفّ في الغالب، إذًا هذه أمور لا تسلم، ولكن قلنا: الرأي الوسط هو أن يُعفى عن اليسير دون الكثير.