أرض يملكها شخصٌ، فاستأجرها شخصٌ آخر، فزرعها هذا الشخص زرعًا تجب فيه الزكاة، غرس فيها نخلًا -مثلًا-، أو عنبًا، أو شيئًا من البقوليَّات التي تجب فيها الزكاة، ولا أريد أن أسبق إلى الكلام عن زكاة الحبوب، لكن هناك أشياءُ تجب فيها الزكاة، وأشياءُ لا تجب فيها الزكاةُ؛ كالخضراواتِ والفواكهِ.
فعندما تغرس هذه الأرض، ويخرج فيها ما تجب فيه الزكاة، كثمرٍ بدا صلاحه، وحبٍّ اشتد، ووجبت فيه الزكاة، فهل يؤدي الزكاةَ صاحبُ الزَّرع، أو يؤديها صاحب الأرض؟
فيها خلافٌ، فجماهير العلماء يرون أنَّ الزكاة إنما تجب على الزارع الذي زرع الأرض؛ لأنَّ الزكاة مرتبطةٌ بالزراعة، وأبو حنيفة يرى أنَّ الزكاة تجب في الأرض، وقد قلتُ من قبل: إنَّ لأبي حنيفة أصلًا يعتمد عليه في هذا الباب، هذا الأصل هو أنَّ الزكاة مؤنة الأرض، وليست مؤنة للزراعة، والجمهور يرون أنها مؤنةٌ للزراعة وليست للأرض، ومن هنا وقع الخلاف بينهم.
لكن يبقى هنا سؤالٌ: لماذا قالى الجمهور كذا وقال أبو حنيفة كذا؟
أبو حنيفة له أصلٌ، يرى دائمًا أن الأصل في زكاة الثمار والحبوب إنما هو الأرض؛ ويقيس ذلك على أرض الخراج وعلى غيره. . .، فهناك كلامٌ كثيرٌ للحنفية في المسألة.
لكن الجمهور يقولون: إنَّ الزكاة مرتبطةٌ بالزرع؛ لأنَّ الذي يقدَّر هو الزرع، فدل ذلك على أنَّ الزكاة تجب فيه، ولأنه لو لم تكن الزكاة واجبةً في الزرع لوجبت في الأرض زُرعت أو لم تزرع؛ لأننا إذا قلنا: إنَّ الزكاة هي مؤنة الأرض، فلماذا لا نأخذها عن الأرض وهي غير مزروعةٍ؟
كيف نقول بأنها مؤنة الأرض ولا نأخذها من الأرض غيرِ المزروعةِ؟