ويقول جمهور الفقهاء: لو كانت -كما ياتول الحنفية- هي مؤنة الأرض، لانتقلت من باب الزكاةِ إلى باب الفيءِ؛ لأنها أصبحت أموالًا تؤخذ على الأرض، فتنتقل إلى باب الفيء الذي يؤخذ على الأراضي.
ومعلومٌ أنَّ الأراضي التي يستولي عليها المسلمون أنواعٌ، فهناك من الأراضي ما فتح عنوةً؛ كأرض مكة، وهناك ما أخذه المسلمون صلحًا كبعض الأراضي، ومنها أيضًا ما أوقف رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعضها، ومنها ما وزَّعها بين المؤمنين، وقد وجد ذلك مجتمعًا في أرض خيبر، ومن هنا فإنَّ عمر -رضي اللَّه عنه- لم يقسم أرض السواد بين المؤمنين، وعمر -رضي اللَّه عنه- قد وهبه اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حصافة عقلٍ ورجاحةً في فكرٍ، وكان عميقًا في كل أموره، ومعلومٌ أنَّ ثمة آياتٍ من القرآن نزلت مؤيدةً لرأي عمر، فكم من آراء طرحها عمر فجاء القرآن مؤيدًا له فيما قال؛ كالصلاة عند المقام، وكذلك بالنسبة لأسرى بدر، والحجاب، والمسائل في ذلك متعددةٌ.
فعمر -رضي اللَّه عنه- عندما جاء بعد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وبعد أبي بكرٍ، اتسعت رقعة البلاد الإسلامية، وفتحت أرض السَّواد في العراق، ففكَّر عمر -رضي اللَّه عنه- في هذه المسألة، لو أنَّ هذه الأراضي قسمت بين المؤمنين، فماذا سيبقى لمن يأتي من بعدهم، ظلَّ عمر يفكِّر، وخالفه بعض الصحابة، وانتهى به الأمر إلى أن قرأ الآيات:{مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى}[الحشر: ١٧] وهي آيات طويلةٌ، إلى أن قال:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا}[الحشر: ١٠]، فاعتبر عمر أنَّ هذه الآية سندٌ له، ولا يعتبر ما فعله عمر -رضي اللَّه عنه- مخالفًا لما سنه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ فهذا فعلٌ يفعله الإمام إذا رأى المصلحة، وقد وافق عمر -رضي اللَّه عنه- كثيرٌ من الصحابة، كعليٍّ وغيره من أكابر الصحابة، ولقد عرضت هذه المسألة، لما لها من علاقةٍ بهذا الموضوع الذي نحن الآن بصدد الحديث عنه.
وخلاصة القول في مسألتنا هذه أن لو كانت أرض تزرع، فاستأجرها إنسانٌ فزرعها، فالجمهور -وفيهم الأئمة الثلاثة- على أنَّ الزكاة على