للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٣٢)} [الزخرف: ٣٢].

فاللَّه هو الذي خلق الخلق، وجعل فيهم الغني والفقير، وقد يكون من الخير لهذا الإنسان أن يكون فقيرًا؛ لأنه عندما يكون فقيرًا يشكر اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ويعرف نعمه، ويحسن ظنه باللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ويتعلق به رجاؤه، ويسأل اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يعوِّضه عن هذه الدنيا بدار الآخرة، فهي حقيقة دار القرار، وهي التي فيها الفوز وفيها الفلاح.

ومن الناس مَن لو أُفقِر لجزع وخرج عن حدود اللَّه، وربما صدرت منه كلمات تضرُّه، فاللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يعطيه الغنى؛ فليس الغنى دليلًا على صلاح المرء، وليس الفقر فى ليلًا على صلاح المرء، ولو كانت الدنيا تساوي عند اللَّه جناح بعوضة ما سقى منها الكافر شَربة ماء.

والرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- قد اختار أن يكون عبدًا رسولًا، وأثنى اللَّه عليه بقوله: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الإسراء: ١]، ولو دخلنا في هذه المسألة لطال بنا المقام، لكنَّ الفقر والغنى ابتلاء واختبار من اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لعباده، فإذا أعطى اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الإنسان الغنى، فشكر هذه النعمة وأدى ما عليه من حقوق، وأحسن أيضًا؛ فسيجد جزاء ذلك، وكذلك أيضًا الفقير إذا ما صبر واحتسب وآمن بأن هذا هو نصيبه من هذه الحياة، وأن هذا هو رزقه الذي كتبه اللَّه له في هذه الدنيا فآمن بقلبه ولسانه وصدقت ذلك جوارحه، فإنه أيضًا سيثاب على صبره واحتسابه، وعلى حسن ظنه باللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أنه سيعوضه على أن كان فقيرًا في هذه الحياة، فإنه من أوَّل مَن يدخل الجنة، وذلك إذا ما عرف حكمة اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وحاول أن يدرك نعم اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عليه.

* قوله: (وَسَبَبُ الْخِلَافِ: إِمَّا بَيْنَ مَنْ قَصَرَ الزَّكَاةَ عَلَى الْأَصْنَافِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا، وَبَيْنَ مَنْ عَدَّاهَا إِلَى الْمُدَّخَرِ الْمُقْتَاتِ، فَهُوَ اخْتِلَافُهُمْ فِي تَعَلُّقِ الزَّكاةِ بِهَذهِ الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ).

نحن نورد الأدلَّة أولًا، ثم بعد ذلك نَدْخل في تفصيل المسألة؛

<<  <  ج: ص:  >  >>