فحديث:"فيما سقت السماء العشر" قد جاء في المتفق عليه، "فيما سقت السماء والعيون وما كان عثريًّا العشر".
(ما سقت السماء)؛ أي: ما سقاه المطر، و (العيون) هي التي تنبع بالماء، (وما كان عثريًّا) هذا موجود في بلاد الحجاز، هو ما كان مثل البطيخ يوضع في مكان فيخرج دون سقي؛ لأن عروقه قريبة من الماء، فعروقه تمتدُّ فتصل إلى رطوبة، أو إلى شيء من الماء فتَنبُت، فهذا لا كلفة فيه، فهو يلحق بما سقت السماء، وبما سقته العيون.
لكن ما سُقِي بالنضح فيه نصف العشر؛ أي: الذي يسقيه الإنسان، فهذا فيه نصف العشر.
وكلُّ هذا -إن شاء اللَّه- سنتكلم عنه تفصيلًا في موضعه؛ فهذه مقدمات جاء بها المؤلف.
والرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لمعاذ:"خذ الحبَّ من الحبِّ"، إذن هذا نصٌّ على الحبِّ، وفي حديث آخر:"ليس في حبٍّ ولا ثمر صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق". فالذين قالوا بأن الزكاة تقتصر على الحبِّ مطلقًا استدلُّوا بحديث:"خذ الحبَّ من الحبِّ"، وهذا قد أخرجه أبو داود بإسناد صحيح.
الحديث الثاني في "الصحيحين" أو في أحدهما، أن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- قال:"ليس في حبٍّ ولا ثمر صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق"، فنصَّ على الحبِّ، فهذا تنازع فيه القائلون من العلماء بالحبِّ؛ فبعضهم اقتصر على ما كان موضع إجماع، فقال: لا نتجاوز الأربع، وبعضهم قال: لا، كلُّ ما يشمله اسم حب فيدخل فيه، وما يشمله اسم ثمر فيدخل فيه، فندخل في ذلك أيضًا الزيتون إلى جانب العنب، وكذلك التمر وما يشبه ذلك. ومن هنا -كما سيأتي- اختلف المالكية في وجوب زكاة التين من عدم وجوبه.
و"المدَّخر": يصلح لأن تدَّخره، وقد كان الناس فيما مضى يبنون بناءً