للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنَّ مَالِكًا (١) ذَهَبَ إِلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ، وَمَنَعَ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ (٢) فِي قَوْلِهِ الْأَخِيرِ بِمِصْرَ. وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: هَلْ هُوَ قُوتٌ أَمْ لَيْسَ بِقُوتٍ؟ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ اخْتِلَافُ أَصْحَابِ مَالِكٍ فِي إِيجَابِ الزَّكَاةِ فِي التِّينِ أَوْ


(١) يُنظر: "المدونة" (١/ ٣٧٩)؛ حيث فيها: "قال ابن القاسم: وقال مالك بن أنس: والزيتون لا يخرص ويؤمن عليه أهله كما يؤمنون على الحبِّ، فإذا بلغ ما رفعوا منه خمسة أوسق لكل إنسان منهم أخذ من زيته، فإن كان زيتونًا لا يكون فيه زيت وليس فيه زيت مثل زيتون مصر ففي ثمنه على حساب ما فسرت لك في النخل والكرم. قلت: فإن كان هذا الزيتون مما يكون فيه الزيت فباع الزيتون قبل أن يعصر؟ قال: يؤخذ من صاحبه زيت مثل عشر ما كان يخرج منه من الزيت أو نصف العشر يأتي به، كذلك إن باع نخله رطبًا إذا كان نخلًا يكون تمرًا أو كرمه عنبًا إذا كان كرمه يكون زبيبًا، فعليه أن يأتي بزكاة ذلك تمرًا أو زبيبًا. قال: وهذا إذا كان نخلًا أو عنبًا أو زيتونًا يكون زبيبًا وتمرًا وزيتًا، فأما ما لا يكون زبيبًا ولا تمرًا ولا زيتًا فإنما عليه عشر ثمنه أو نصف عشر ثمنه إذا بلغ خمسة أوسق، وهذا مخالف للذي يكون تمرًا أو زبيبًا أو زيتًا".
(٢) يُنظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (٣/ ٢٣٥)؛ حيث قال: "فأما الزيتون فله في إيجاب زكاته قولان؛ أحدهما: وهو قوله في القديم فيه الزكاة، وبه قال مالك لقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: ١٤١]. فاقتضى أن يكون الأمر بإتيان الحق راجعًا إلى جميع المذكور من قبل. وروي عن عمر-رضي اللَّه عنه- أنه كتب إلى عامله بالشام أن يأخذ زكاة الزيتون. وروي عن ابن عباس -رضي اللَّه عنه- أنه قال في الزيتون العشر، ولا مخالف لهما في الصحابة فكان إجماعًا، ولأن عادة أهل بلاده جارية بادِّخاره واقتنائه كالشام وغيرها مما يكثر نبات الزيتون بها؛ فجرى مجرى التمر والزبيب، فاقتضى أن تجب فيه الزكاة. والقول الثاني: نص عليه في الجديد وهو الصحيح. وبه قال ابن أبي ليلى والحسن بن أبي صالح لا زكاة فيه، لما روي أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لمَّا بعث معاذا إلى اليمن قال له: "لا تأخذ العشر إلا من أربعة الحنطة، والشعير، والنخل، والعنب"؛ فأثبت الزكاة في الأربعة ونفاها فيما عدا ذلك، ولأنه قد كان موجودًا على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فيما افتتحه من مخاليف اليمن وأطراف الشام، فلم ينقل أنه أخذ زكاة شيء منه، ولو وجبت زكاته لنقلت عنه قولًا وفعلًا كما نقلت زكاة النخل والكرم قولًا وفعلًا، ولأنه وإن كثر من بلاده فإنه لا يقتات منفردًا كالتمر والزبيب، وإنما يؤكل أدمًا".

<<  <  ج: ص:  >  >>