وانتهى إلى الأمر الذي أشرنا إليه، وقد قلت فيما مضى: إنه صدر كتابٌ منذ فترة طويلة في رسالة ماجستير في جامعة الأزهر، عُني فيه مؤلفه بمثل هذه الأمور؛ يعني بما تجب فيه الزكاة، وكذلك في الأطوال، وفي المسافات التي تُقصر فيها الصلاة، والمسافة التي يجوز أو لا يجوز للمرأة أن تسافر فيها، كذلك أيضًا المقاييس التي تُستعمل، هذه كلها حقيقةً تكلَّم عنها وفصَّل القول فيها.
وهو بلا شكَّ من أجود الكتب التي أُلِّفت في هذا الزمان؛ لأنه دار حول كثير من المسائل، وكل طالب أو مدرس يشتغل بعلم الفقه فيما يتعلق بالمقادير أو المقاييس أو المسافات، عندما يمرُّ بمثل هذه الأحكام يحتاج إلى مثل هذا الكتاب، وإلى غيره.
* قوله:(وَفِي الْمِقْدَارِ الْوَاجِبِ فِيهِ).
جاء في الحديث:"الميزان ميزان مكَّة والمكيال مكيال المدينة"، ومكيال المدينة: هو المكيال الذي كان معروفًا في زمن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو الذي أدركه العلماء، ومنهم الإمام مالك.
وأما الميزان؛ فإن مكَّة عُرفت بالوزن، ولذلك جاء في الحديث:"الميزان ميزان مكَّة"، وهذا قد أومأنا إليه من قبلُ، عندما تكلمنا عن الدينار والدرهم، وأنهم ما كانوا في الجاهلية ولا عندما بُعث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يتعاملون بذلك نقدًا، وإنما عن طريق الوزن، يعني: كانوا يتعاملون بهما وزنًا، قيل: لأنها لم تكن متساوية؛ فهناك درهمٌ كبير، وهناك درهمٌ صغير، ثقيل، خفيف، إلى غير ذلك.
وبينَّا أن تلك الدراهم لم تكن مصنوعةً عندهم، أو مسبوكةً، وإنما كانت تأتيهم من بلاد الروم، ومن بلاد فارس، وكانوا يتعاملون بها، ومعلوم أنَّ أهلَ مكَّة ممن اشتغلوا بالتجارة، واشتهروا بذلك وعُرفوا، ولهم رحلاتٌ معروفة، بل إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عندما شبَّ عن الطوق، سافر مع عمِّه، وكان صغيرًا، -وأظنه كان في سن الثالثة عشرة- سافر مع عمِّه أبي طالب إلى بلاد الشام، ثمَّ بعد ذلك سافر في تجارة -وهي