لا شكَّ أن الأحكام معللة، يعني: أن أحكام الشريعة الإسلامية كثيرًا ما نجد أنها تقترن عللُها بها، ولذلك عندما جاء الفقهاء من بعد الأئمة، ومن بعد تلاميذهم، وأرادوا أن يجمعوا فقه أئمتهم، احتاجوا إلى أن يضعوا وأن يعرفوا أصول كل إمام؛ لأنه لكي تعرف المنهج والطريق الذي سلكه هذا الإمام، لا بد أن تعرف أصوله التي كان يخرِّج عليها، فأخذوا يبحثون عن علل الأحكام حتى وقفوا عليها، فبدؤوا يخرِّجون على أقوال الأئمة، ثم بعد ذلك أخذوا يستدلون عليها، إلى أن توسَّع الفقه الإسلامي.
إذن العلة ظاهرة في النقدين بلا شكٍّ؛ وكما ذكر المؤلف، وكما ذكرنا أيضًا إضافة إلى ذلك، والمقصود منهما معنى المنفعة، فالذي يشتري بدينار أو بدرهم، إنما هو يشتري ليستفيد، والذي يبيع ليأخذ دينارًا أو درهمًا، هو أيضًا يبيع ليستفيد، فيحصل على النقدين؛ إذن الفائدة متبادلة في هذا، فهي متحققة بلا شك، إذن العلة فيهما ظاهرة، وهي المنفعة، وليست المنفعة مقصورةً على شيء واحد؛ لأن الناس يتعاملون بهما، ويتبادلون بهما في شراء السلع، وفي بيعها، وفي كونهما قيمًا للمتلفات، ورؤوس الأموال، وأروش الجنايات، إلى غير ذلك من الأحكام التي تتعلق بهما.