للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيقول: لماذا نسلك هذا المسلك وننحى هذا المنحى، وكتاب الصدقة منقول إلينا بسندٍ صحيح، نراه ونقرؤه في صحيح البخاري وفي غيره، فينبغي أن نأخذ به.

* قوله: (وَلَعَلَّ مَالِكًا لَمْ يَبْلُغْهُ هَذَا الْحَدِيثُ).

وهذه صفة حسنةٌ أُخرى تُسَجَّل للمؤلف، وهكذا طالب العلم عندما يقف لاجتهاد لإمام خالف فيه الدليل، أو ظهر له أنه خالف الدليل، ولا شك أن الإمام لم يكن الإمام قصد الخلاف ولا تعمده، بل الإمام مالك كانت تضرب إليه الإبل من مشارق الدنيا ومغاربها، ومواقفه في الدفاع عن كتاب اللَّه، وعن سُنَّة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وعن العقيدة الإسلامية الصافية معروفة، وقد تخرج على يديه جيل من العلماء يأتي في مقدمتهم الإمام الشافعي (١).

فالإمام مالك اجتهد في هذه المسألة، والمؤلف بيّن أن الحق مع غيره؛ لأن حديث الصدقة، في صحيح البخاري وهو واضح جلي، فينبغي الأخذ به، ومالك لم يأخذ به لعله لم يبلغه، أو أنه بلغه واجتهد أيضًا في أمر آخر.

وهكذا دائمًا طالب العلم ينبغي أن ينزل العلماء منزلتهم فلا يتجرأ عليهم بقول، وإنما ينصفهم في هذا المقام.

دراسة الفقه ملكة تقوي الإنسان: ولذلك نجد أن دراسة الفقه ينتقل الإنسان فيها من مكان إلى مكان، وهذا الخلاف الذي نراه ليس كما يظن البعض أنه خلاف يُشتت الأذهان ويفرقها، أو كثرة الآراء قد تغير طالب العلم، بالعكس هي تنمي ملكة دارس الفقه وتقويها فتشحذ ذهنه فيتعود


(١) قال ابن حبان في ترجمة الإمام مالك في كتاب "الثقات" (٧/ ٤٥٩): "وبه تخرَّج الشافعي -رَحِمَهُ اللَّهُ- وإياه ينص ومذهبه كان ينتحل حيث كان بالعراق قديمًا قبل دخوله مصر".

<<  <  ج: ص:  >  >>