فلا يلزم أن تكون كل السنة جمعت في الصحيحين، فكل إمام له شروط في التصحيح، فالبخاري له شروط، وشروطه فاقت شروط مسلم، ولذلك لا يُخرّج في كتابه إلا ما انطبقت عليه شروطه.
لكنْ لا يلزم من هذا أنَّ البخاري لم تفته أحاديث، فقد فاتته أحاديث، وقد استدرك عليه الحاكم وغيره، وإن كان غالب ما استدركه الحاكم غير وارد، لكن وجدت أحاديث على شرط البخاري ليست في صحيحه، وأيضًا الإمام مسلم له شروط في تصحيح الأحاديث.
ولذلك قالوا:
تشاجر قوم في البخاري ومسلم … لدي وقالوا أي ذين تقدم
فقلت لقد فاق البخاري صحة … كما فاق في حسن الصناعة مسلم
فصناعة مسلم في ترتيبه للأحاديث وتنسيقه وفي التبويب يختلف عن البخاري، أما البخاري كما قال العلماء: شروطه أقوى وفقهه في تراجمه، فكم من الأحاديث التي لا تنطبق عليها شروطه، نجد أنه يعنون لها ويضعها عنوانًا لباب، وقد تجد أنَّ هذا العنوان حديث صحيح في صحيح مسلم، أو في السُّنن، أو عند أحمد، فهو لا يغفل هذه الأحاديث في كثير من الأحيان، وإنما يجعلها ترجمة لباب أو عنوانًا له فيذكر الحديث، وتجد أن الشُّراح وبخاصة ابن حجر ينبه على ذلك ويتكلم عنه، ويبين أن هذا حديث في مكان آخر.
إذًا ظهر لنا أنه لا يلزم مما ذكر المؤلف أنَّ كل حديث صحيح يلزم إخراجه، فكم من الأحاديث التي صحت وليست في الصحيحين.
معاذ -رضي اللَّه عنه- عاد بعد موت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى اليمن في الحديث المشهور: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ -حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ-: