فإذا أحسست بحال أخيك الفقير، فقدمت له أمرًا واجبًا عليك بنفسٍ راضية وبنفس مرتاحة، فهذا سيبث في نفسه أيضًا الود والمحبة لك، وسيجعله يحس بأنه يعيش في مجتمع تنتشر فيه الرحمة ويخيم عليه الود وتطوقه السعادة، مجتمع هذا حاله يحصل فيه تعاون بين الغني والفقير، بين القوي والضعيف، بين الكبير والصغير، هذا هو المجتمع الذي نشره الإسلام.
واللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو الذي قسم الناس إلى أصناف: {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (٣٣)} [الزخرف: ٣٣]. وله في ذلك حكمة، فربما لو أغنى هذا الفقير لكان الغنى ضررًا له، وربما لو أفقر هذا الغني لكان هذا الفقر سببًا في ضجره وجزعه وعدم صبره، وربما لو أغني هذا الفقير لتمادى وتجاوز وطغى كما كان من حال قارون.
فاللَّه -تعالى- هو الذي يعطي المال، ولا يدري الإنسان، قد يكون هذا المال سببًا في ضرر المرء، فإن أعطيت المال فأديت حق اللَّه فيه وتصدقت، وهذا المال عارية مستردة، فإنك ستجد ذلك محفوظًا ومدونًا لك في صحائفك يوم القيامة، وأنت من أشد الناس إليها، وأنت في وقت أشد ما تكون للحسنة الواحدة. وإن استخدم الإنسان ماله في معاصي اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فإنه أيضًا سيجد ذلك في كتاب:{لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا}[الكهف: ٤٩]، {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨)} [الزلزلة: ٧، ٨].
* قوله:(وَنَأْخُذُ الْجَذَعَةَ وَالثَّنِيَّةَ).
الجذعة: هي التي لها سنة، والثنية: هي التي لها سنتان.
والجذعة التي تؤخذ من الضأن وهو: ما له ستة أشهر، والثنية من المعز: هو ما له سنة.