للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيها هذه المواسير التي توضع في الأرض، وبعد مرور زمن تتآكل، كذلك فيها أسياخ تُعلق بها وربما تتآكل، هذه كلها يُنفق عليها الإنسان، لكن هذا ماءٌ ينزل من السماء، فمؤونته سهلة وميسورة؛ فلما راعت الشريعة هذا الجهد فالإنسان لا يتكلف كثيرًا يُخرج العُشر، وآخر تلحقه مشقة وعناء، ويدفع ماله وجَهده فهو في هذه الحالة يُقلَّل عليه في الزكاة.

ومن هنا لو أنَّنا دقّقنا النطر في حكمٍ من أحكام هذه الشريعة، وأمعنا النظر وتعمقنا فيه لوجدنا أسرار هذه الشريعة تتبين في كل حكمٍ من الأحكام؛ لأن هذا من عند اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، قال تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤)} [الملك: ١٤]، هو الذي خلق هذا الكون، وهو الذي خلق هذا الإنسان، وسخر له ما في هذا الكون، اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أنزله في هذه الدنيا، خلقه لأمرٍ عظيم؛ ليقوم بعبادة اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-؛ وليقوم بعمارة هذه الأرض، قال تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} [البقرة: ٣٠].

فاللَّه -تعالى- خلق هذا الإنسان، ويسّر له كل أسباب المعيشة التي تعينه على أن يكون مطيعًا للَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، بيّن له -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- طريق الخير ورغّبه فيه، وبيّن له طريق الشر وحذّره منه، قال تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (٣)} [الإنسان: ٣]، واللَّه -تعالى- بيّن له طريق السعادة، وأمره أن يسلك هذا الطريق السوّي، ووعده بذلك جنةً عرضها السموات والأرض، وحذره من سلوك طريق الغواية، ومن الإشتراك به -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، ومن ارتكاب المعاصي، وواعده وتوعّده على ذلك بجهنم وبئس المصير.

فلا شكَّ أنَّ السعيد من سلك طريق السعادة، وأنَّ الشقي من سلك طريق الغواية والشقاء.

وأسباب الخير -بحمد اللَّه- ميسّرة، وطرقه واضحة، وطريق اللَّه مستقيم، قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: ١٥٣]، هذا هو طريق الحق وطريق الرشاد.

<<  <  ج: ص:  >  >>