للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرُّبعَ" (١)، ولا شك أن في هذا الحديث مع الاختلاف فيه من حيث الصحة والضعف، وإن كنا نرى أنه حديث صالح للاحتجاج به، له دلالة؛ لأنك تجد أن الشريعة راعت حالة المالك؛ فالرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- قال في حديث آخر: "خففوا في الخرص" (٢)، وقال: "إذا خرَصْتُم فدعوا الثُّلثَ فإن لم تدَعوا الثُّلثَ فدعوا الرُّبعَ".

ولهذا يقول بعض العلماء (٣): لو أن خارصًا خرص فلم يدع لرب المِلكِ شيئًا فإن له أن يأكل إلى الثلثِ أو إلى الربع.

إذن "إذا خرصتم فدعوا الثلث، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع"؛ لأن الإنسان قد يهب شيئًا من مزرعته إلى أخِ له، وهذا أيضًا تمر به السابلة الذين يمرون فيطرقون هذه الحديقة والمزرعة فيأكلون منها، وأيضًا هو يحتاج إلى أن يأكل هو وأولاده، والطير أيضًا يأكل منها، والرياح تهز الأشجار فيتساقط شيءٌ منها، ثم تأتي الزكاة فتأخذ.

فالشريعة راعت هذا الجانب؛ فقررت أنه يُترك شيءٌ من ذلك.

أما دعوى: أن الخرص تخمين -كما يقول الحنفية أو بعض الحنفية- إنه تخمينٌ وظن، والتخمين والظن لا ينبغي أن يُرتَّب عليه حكم من الأحكام.


(١) أخرجه أبو داود (١٦٠٥)، وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (٢٨١).
(٢) أخرجه ابن عبد البر في "التمهيد" (٦/ ٤٧٢)، وقال ابن القيم في "حاشيته على السنن" (٩/ ٢٠٠): "وفيه ابن لهيعة".
وهو في شرح معاني الآثار للطحاوي (٤/ ٣٣) بلفظ: " خففوا في الصدقات"، وقال العيني في "نخب الأفكار" (١١/ ٥٢١): "والحديث المذكور مرسل، وإسناده صحيح، وهو حجة عندنا على ما عُرف في موضعه".
(٣) مثل الكلوذاني في "الهداية على مذهب الإمام أحمد" (ص ١٣٥)؛ حيث قال: "ويجب على الخارص أن يترك لرب المال الثلث أو الربع، فإن لم يفعل جاز لرب المال أن يأكل بقدر ذلك ولا يحتسب عليه، لقول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا خرصتم فدعوا الثلث أو الربع؛ فإن في المال العرية والأكلة والوصية"".

<<  <  ج: ص:  >  >>