للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالجواب: بأن هذا اجتهاد، يجتهد فيه الخارص الذي يُرسله، لكن هذا الاجتهاد ينبغي أن يصحبه معرفةٌ بالخارص، فليس كل إنسان يصلح أن يكون خارصًا، وإنما يُختار لذلك الإنسان العارف المدرك لذلك، ثم ليس القصد بالخرص أن يأتي الإنسان إلى النخل فيُقدِّر واحدًا أو عشرًا ثم يمشي، بل هو يمر بكل نخلة فيما يتعلق بالأجناس المتفقة فيقدِّر ما فيها؛ فإن اختلفت الأجناس فإنه يقدِّر كل جنسٍ على حدة.

إذن؛ الخرص إنما هو اجتهاد؛ ولذلك يقول جمهور العلماء (١): هذا الاجتهاد مبنيٌّ على معايير ومقادير، هذه المعايير وهذه المقادير هي الخبرةُ التي اكتسبها الخارص، فإنه إذا وقف عند هذه -يعني أصحاب الخبرة- قد يأتي الإنسان منهم فيقف الإنسان عند كومة النخل أو شعير فيقدرها، تجد أنه لا يأتي إلا فرق يسير وهذا متجاوز عنه؛ إذن هذا بخبرته ومعرفته وكياسته إذا وقف عند هذه النخلة فقدَّرها لا تجد إلا فرقًا يسيرًا إن وُجد الفرق؛ فهناك خبرة.

إذن يقول جمهور العلماء: هذا الاجتهاد قام على معايير دقيقة، أو قريبة من الدقة، وقام أيضًا على تقديراتٍ معتبرة شرعًا؛ فهذا جائز كالحال بالنسبة لقيم المتلفات؛ فقيم المتلفات هذه مسألةٌ متفقٌ عليها، ويوافق عليها الحنفية، وهي لا تأتي طبقًا لما قُدِّر، قد يحصل فيها أيضًا اختلافٌ في التقدير، ومع ذلك الشرع اعتبرها.

ونعلم بأن الشرع تجاوز عن بعض الأحكام -كما سيأتي بالنسبة


(١) لمذهب المالكية، يُنظر: "الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي" (١/ ٤٥٤)؛ حيث قال: "وكفى الخارص الواحد إن كان عدلًا عارفًا؛ لأنه حاكم فلا يتعدد".
ولمذهب الشافعية، يُنظر: "تحفة المحتاج في شرح المنهاج"، للهيتمي (٣/ ٢٥٨)؛ حيث قال: "العلم بالخرص؛ أي: لأنه اجتهاد والجاهل بالشيء ليس من أهل الاجتهاد".
ولمذهب الحنابلة، يُنظر: "أسنى المطالب في شرح روض الطالب"، لزكريا الأنصاري (١/ ٣٧٣)؛ حيث قال: "لأن الخرص ينشأ عن اجتهاد فكان كالحاكم".

<<  <  ج: ص:  >  >>