- وحق مشترك كما نرى ذلك في بعض الحدود وغيرها، فالإنسان الذي يُعتدى عليه بالقذف هناك حقان، حق للَّه وحق للمخلوق، وكذلك السرقة إقامة الحق فيه حق لمن سرق منه، وكذلك حق للَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-؛ لأن السارق تعدى على حدود اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وانتهك حرماته.
فالحنفية استدلوا به، والجمهور يقولون: هذا حق للَّه تعالى وقربة له، فما دام هذا حقًّا للَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وقربة فلا يجوز أن يُنتقل مما شرعه اللَّه تعالى في شريعته إلى غيره، وقد مر أن في خمس من الإبل شاة، وفي عشر شاتين، وأن في خمس وعشرين بنت مخاض، وفي ست وثلاثين بنت لبون. . . إلى آخره، وما ورد وأن في البقر في ثلاثين تبيع أو تبيعة وعرفنا ما مر في زكاة الغنم. فهذا إخراج من العين.
وقالوا أيضًا: هذه أمور توقيفية، حق للَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، قربة له، لا يجوز أن ينتقل من هذا الأصل إلى غيره إلا بدليل.
ثم قاسوا ذلك على الأضحية فقالوا للحنفية: أنتم توافقوننا بأنه لا يجوز للمضحي أن يخرج قيمة الشاة وإنما يضحي بالشاة؛ إذن ما الفرق بين هذا وهذا؟ وتوافقوننا في الكفارات؛ إذن كذلك هنا.
وأجابوا عن الأثر الذي استدل به الحنفية: بأن ذلك إنما هو فيما يتعلق بالجزية، وليس ذلك في الزكاة بدليل أن معاذًا -رضي اللَّه عنه- كان ممن لا يرى أن الزكاة تنقل من بلد إلى بلد آخر إلا في حالة عدم وجود من يستحقها في ذلك البلد.
هذه المسألة خرجتُ عما ذكر المؤلف فيها؛ لأنه في نظري لم يستوفه.
إذن؛ الخلاف بين الجمهور وبين الحنفية هو أن الحنفية استدلوا -كما رأيتم- بالأثر وبالقياس، والجمهور استدلوا بالأدلة التي ورد فيها إخراج العين ولم تخرج القيمة وبالقياس على الأضحية.