يبقى في يديه شيء لمصلحة الفقراء؛ فرأى هذا من باب المصلحة، لكن المؤلف رَحِمَهُ اللَّهُ نقد إمامه، وهو مالكي ومع ذلك نقد هذا الرأي في مذهب إمامه؛ لأن الإنصاف يقتضي ذلك.
لا ينبغي أن يأخذني تعصبي مثلًا لأنني أنتسب إلى مذهب أحمد فأقول: هذا هو الحق في كل شيء ولا أرى الحق في غيره، ولا لأنني مالكي أقول الحق في مذهب مالك، قد يكون الحق اليوم هنا واليوم هنا في هذه المسألة، لكن لا يُقال بأن فلانًا قد عُصم من الخطأ، ولكن يقال: كل هؤلاء اجتهدوا وقصدوا الصواب وتحروا فيه، وبذلوا ذوب قلوبهم وأفنوا حياتهم في سبيل الوصول إلى الحق، وهم بحمد اللَّه أصابوا في كثير من الأمور وأخطاؤهم نادرة وهم مجتهدون، من أصاب فله أجران ومن أخطأ فله أجر واحد وهم مأجورون على كلا الاحتمالين، إنما الذي يأثم ويصيبه الوزر هو الذي يرى الحق وشملك غيره، والذي يرى الحق في هذا الدليل ويأخذ بغيره تعصبًا أو اتباعًا لهواه، واللَّه تعالى يقول لنبيه داود عليه السلام:{يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}[ص: ٢٦]، حاشى داود نبي اللَّه أن يتبع الهوى، لكن هذه دروس يلقيها اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في كتابه لتستفيد منها الأمم ومنها هذه الأمة.
إذن؛ الهوى أخطر ما يهدد الإنسان؛ فإذا اتبع الإنسان هواه أراد أن يجعل كل باطلٍ حقًّا، ويكون ما يتفق مع هواه هو الحق، بل قد يكون هذا الهوى في العقيدة كما في أصحاب الأهواء فكم حرفوا في عقيدة التوحيد؟ وكم بدَّلوا؟ وكم وضعوا من أحاديث؟ كل ذلك لأنها تتفق مع أهوائهم، أشركوا باللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وخرجوا عن الطريق السوي؛ لأن ما جاء في هذه العقيدة يتعارض مع أفكارهم ومع أهوائهم؛ فالهوى زيغٌ يُخرج الإنسان عن طريق الرشاد إلى طريق الغواية والضلال؛ فالمؤلف نقد المذهب وهو ينتسب إليه؛ لأنه رأى أن مذهب الجمهور هو الحق في هذه المسألة وأن التفريق هنا غير وارد.