وكلمة:"لم يحمل خبثًا" فيها مناقشة للحنفية فهم يعكسون القضية، فيقولون: لم يحمل خبثًا معناه: أنه ضعيفٌ لا يتحمَّل النجاسةَ.
ويردُّ عليهم الشافعية والحنابلة بالرواية الأُخرى:"لم يحمل خبثًا"، والروية الأُخرى ورد فيها:"لم ينجس".
لكن كيف نستطيع أن نقدر هنا حد الكثرة؟
سيأتي معنا أن الإمام الطحاوي وهو صاحب العقيدة الطحاوية والمُحدِّث المعروف، وهو من المدافعين عن مذهب الحنفية، وهو ممن انتهى إلى أنَّ حديث القلتين صحيحٌ، لكنه يقول مع صحته وقع خلاف في عدد القلال، فورد في حديث قلتين:"إذا بلغ الماء قلتين"، وفي رواية ثلاث:"أو ثلاث قلال"(١). أيضًا يقول: القلة غير معروفة.
لكنَّ الفقهاء قالوا: القلة معروفة، وحقيقة تقديرها تقريبي، فهم يقولون: ورد في أثرٍ مرسل عن ابن جريج أنَّ القلةَ تبلغُ قربتين وشيئًا.
قالوا: والشيء أقصى ما يوصل به إلى النِّصف، فمعنى هذا أنَّ القلتين تبلغان خمسةَ قرب، ونجدُ أنَّ غالبَ الفقهاء يقول: وهي خمسمائة رطل بالعراقي، ومائة وثمان قنطار بالدمشقي، لكننا نجد أنَّ بعض الشافعية من حدّ حدًّا مكعَّبًا فجعلها مترًا وربعًا عمقًا في متر وربع عرضًا وطولًا، ولذلك جاء بعض الذين كتبوا في الفقه حديثًا ودقّقوا في الأمر وقالوا: إنَّ القلتين ثلاثة وتسعون صاعًا أو أربعة وتسعون إلا ربعًا، أو مائة وستون ونصف لتر، هكذا حددوها، والأمر كلُّه تقريبي.
إذًا" القلة كما قالوا تبلغ قربتين ونصف، فإذا جمعت بلغت خمسَ قربٍ.
يقول العلماء: كلمة قلة إذا طلقت إنما تنصرف إلى قلال هجر، قالوا: لأنَّ العرب يعرفونها، وقد اشتهرت بينهم، ولذلك الرسول -عليه
(١) وفي مصنف ابن أبي شيبة ح ١٥٣٠ عن سعيد بن جبير، قال: الماء الراكد لا ينجسه شيء إذا كان قدر ثلاث قلال.