للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وربما بعض من لم يسافر لا يُدرك ما يدور في كثير من البلاد الإسلامية، وما يحل بالمسلمين.

ونأتي إلى حكم إعطاء المؤلفة قلوبهم من الزكاة الآن:

فنقول: لقد قال اللَّه عزَّ وجلَّ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} [التوبة: ٦٠].

فاللَّه عزَّ وجلَّ ذكَرَ المؤلفة قلوبهم ضمن هذه الأصناف الثمانية، ولم يرد نصٌّ ينسخ هذه الآية، لا في كتاب اللَّه عزَّ وجلَّ، ولا في سنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، بل إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد التقى بالرفيق الأعلى، ولم يُنقل عنه نصٌّ ينسخ ذلك. ولا يخفى أن دعوى النسخ تحتاج إلى دليلٍ وإثبات، وهنا في هذه المسألة: لا دليل على ذلك، ودعوة أن العلة قد زالت فليس هذا على الإطلاق، بل إننا نقول: لا يُعطَى المؤلفة قلوبهم إذا لم نكن بحاجة إليهم، لكننا نُعطيهم إذا كنا بحاجة إلى أن يدخل أُناس في الإسلام، أو لنتقي شرهم، أو لندفع أذاهم عن المؤمنين.

فالقول الحق في نظري هنا هو أن حكم المؤلفة قلوبهم باقٍ إلى يوم القيامة، وأن هذا حكمٌ لم يُنسخ؛ لأن النسخ يحتاج إلى دليل، ولا دليل على نسخه؛ ولذلك لما ذكر ذلك للإمام الزهري (١) -ونعلم أنه من أئمة الحديث وجهابذته- قال: لم يَرِد ما يمنع إعطاءَ المؤلفة قلوبهم.

وهذا هو رأي الإمام أحمد (٢) أيضًا، وهو قول في مذهب الإمام الشافعي كذلك (٣)، وقال به أئمة في مذهب الإمام


(١) يُنظر: "المغني"، لابن قدامة (٢/ ٤٩٧) "قال الزهري: لا أعلم شيئًا نسخ حكم المؤلفة".
(٢) تقدم قوله.
(٣) وهو المذهب "مغني المحتاج"، للشربيني (٤/ ١٧٨) حيث قال: " (والمؤلفة): جمع مؤلف من التألف، وهو جمع القلوب، وهو (من أسلم ونيته ضعيفة)، فيتألف ليقوى إيمانه ويألف المسلمين، ويقبل قوله في ضعف النية بلا يمين. (أو) من أسلم ونيته في الإسلام قوية، ولكن (له شرف) في قومه (يتوقع بإعطائه إسلام غيره) من نظائره =

<<  <  ج: ص:  >  >>