للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونعلم أن الصلح هو أحد المواضع الثلاثة التي يجوز للمسلم أن يكذب فيها (١)؛ لأن فيه إصلاحًا بَيْنَ ذاتِ البَيْنِ.

فلو قُدِّر أن قبيلتين بينهما دماء قُتل منهم أحد، وربما تقوم الحرب على أشدها وتشتعل النار بينهم، ونعلم أن الحرب تمرُّ على الأخضر واليابس فتأكله، وندرك ما يترتب على ذلك من الأضرار! أو ربما يقع خلاف بين أسرة من الأسر، أو بين رجلين ويكون بينهما صداقة، فيدب بينهما الخلاف والنزاع، وهذا ليس غريبًا!

وربما لا يكونان بصديقين، ومع ذلك يحصل بينهما خلاف، يترتب عليه ضرر، ففي هذه الحالات: يأتي هذا الإنسان؛ ليطفِئَ تلك النار، وليخمِدَ هذه الفتنة، فيصلح ذات البَيْن، ويأخذ دَينًا، فألَا يستحق بذلك أن يُدفع له من مال الزكاة؟

لقد أقدم على هذا العمل قاصدًا الخير، حيث أراد بذلك أن يرفع إشكالًا، وأن يقيم مقام هذا الإشكال والنزاع الوِفاق والاتفاق، فهو -بلا شك- مُثاب على ذلك.

أولًا: من اللَّه عزَّ وجلَّ في الآخرة؛ لسببين:

السبب الأول: لأنه فَعَل فِعْلًا حسنًا، واللَّه عزَّ وجلَّ لا يضيع أجر من أحسن عملًا.

السبب الثاني: لأنه فَعل خيرًا، وقد قال اللَّه عزَّ وجلَّ: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: ١٢٨].


(١) يشير إلى الحديث الذي أخرجه مسلم (٢٦٠٥) "عن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وكانت من المهاجرات الأول اللاتي بايعن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، أخبرته، أنها سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو يقول: "ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس، ويقول خيرًا وينمي خيرًا". قال ابن شهاب: ولم أسمع يرخص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها".

<<  <  ج: ص:  >  >>