للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذلك لأن القصد من ذلك هو رفع هذه الخَلَّة، وهذا النقص الذي حصل له؛ لأن من أسرار وحكم ومقاصد الزكاة سد خلة الفقراء، ورفع العجز عنهم.

* قوله: (وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: لَا يُعْطَى أَحَدٌ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ دِرْهَمًا) (١).

هذه الرواية -كما نعلم- هي إحدى الروايتين عن الإمام أحمد (٢). لكن الحنابلة يرون ذلك مع الكفاية؛ فالإمام أحمد لما سُئل عن شخصٍ له عيال -قد يكون في بيته عشرة من الأنفس مثلًا- فهل يُعطى هذا الرجل خمسين درهمًا؟ قال: لا، بل يعطى خمسين، وابنه خمسين، وهكذا (٣).

فمعنى هذا أنها زادت على النِّصاب؛ ولذا جاءت الرواية الأُخرى لتتفق أيضًا مع مفهوم هذه الرواية. فالقصد من ذلك هو رفع الحاجة. وهذا هو الأظهر، وهو الذي يتفق مع روح هذه الشريعة، فينبغي أن ينقل هذا الفقير والمسكين إلى أن يصبح عضوًا عاملًا.

فهذا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد استعاذ من الفقر (٤). وليس الفقر ذِلَّة للإنسان، ولا ينقص من قدره، فهذا ابتلاء من اللَّه -عزَّ وجلَّ-، وتقسيم منه للرزق بين عباده. وفي الحديث يقول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "رُبَّ أشعثَ أغبرَ لو تمنَّى على اللَّه لأبرَّه" (٥).


(١) يُنظر: "الاستذكار"، لابن عبد البر (٣/ ٢١٠) حيث قال: "وأما الثوري فذهب إلى أن الصدقة لا تحل لمن يملك خمسين درهمًا على حديث بن مسعود".
(٢) يُنظر: "المغني"، لابن قدامة (٢/ ٤٩٣) "ونقل عن أحمد فيه روايتان؛ أظهرهما: أنه ملك خمسين درهمًا، أو قيمتها من الذهب، أو وجود ما تحصل به الكفاية على الدوام، من كسب، أو تجارة، أو عقار، أو نحو ذلك".
(٣) يُنظر: "مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود" (ص: ١١٨) "قال: سمعت أحمد يقول فيمن يعطى من الزكاة وله عيال، قال: يعطى كل واحد من عياله خمسين خمسين".
(٤) تقدم تخريجه.
(٥) أخرجه الترمذي (٣٨٥٤) عن أنس بن مالك، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كم مِن أشعثَ أغبر ذي طمرين لا يُؤبه له لو أقسم على اللَّه لأبرَّه، منهم البراء بن مالك". وقال: حسن غريب من هذا الوجه، وحسنه الألباني في المشكاة (٦٢٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>