للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* قوله: (أَنَّهُ قَالَ: "فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-).

وَالفَرض فيه معنى الحز والقطع، وفيه معنى القوة (١)، إذن أوجب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- زكاة الفطر، وقَدْ رأينا أن الَّذين قَالُوا بفرضيَّتها منهم مَنْ قال: بأنها فرضٌ على مَعْنى الفرض، ومنهم مَنْ قال: بأنها وَاجبةٌ، وَجُمْهورُ العُلَماء -كَما أَشرنَا- لَا يُفرِّقون بين الفرض والواجب، ومنهم الأئمَّة الثَّلاثة (٢)، والحنفيَّة هم الَّذين يُفرِّقون بينهما، ويخصُّون الفرضَ بما ثَبتَ بدليلٍ قطعيٍّ، والواجب ما ثبت بدليل ظني كأخبار الآحاد (٣).

* قوله: (. . . زَكَاةَ الفِطْرِ عَلَى النَّاسِ مِنْ رَمَضَانَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ).

إذًا، زكاة الفطر أشار رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى أنه تخرج صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، والتمر معروف، أَوْ مِنْ شَعِير، وهو أيضًا معروف، وفي أحاديث أُخرى أضاف الطعام، وفي بعضها بُرٌّ، وسيأتي الخلاف في البُرِّ أيضًا، هل يلزم أن يُخرج صاعًا كاملًا، أو أن البُرَّ له مِيزة ينفرد بها عن غيره؟ فيقتصر على نصف صاعٍ، وسنعرض -إِنْ شَاءَ اللَّه- لحديث أبي سعيد، ولقصة معاوية -رضي اللَّه عنهما- حينما قدم معاوية المدينة (٤) وكَلَّم الناس في ذلك عندما نصل إلى هذه المسألة.


(١) "وأصل الفرض: القطع". يُنظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير (٣/ ٤٣٢).
(٢) قال الشيرازي في "اللمع في أصول الفقه" (ص ٢٣): "والواجب والفرض والمكتوبة واحدٌ، وهو ما يعلق العقاب بتَرْكه"، ويُنظر: "المستصفى" للغزالي (ص ٥٣).
(٣) قال ابن الهمام في "فتح القدير" (١٠/ ٤١٤): "الفرض غير الواجب عندنا، إذ الفرض ما يثبت بدليلٍ قطعيٍّ، والواجب ما ثبت بدليل ظني".
(٤) أخرجه مسلم (٩٨٥) من حديث أبي سعيدٍ الخدري، قال: "كنا نخرج إذ كان فينا رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- زكاة الفطر، عن كل صغيرٍ وكبيرٍ، حرٍّ أو مملوكٍ، صاعًا من طعامٍ، أو صاعًا من أقط، أو صاعًا من شعيرٍ، أو صاعًا من تمرٍ، أو صاعًا من زبيب"، فلم نزل نخرجه حتى قدم علينا مُعَاوية بن أبي سفيان حاجًّا أو معتمرًا، فكلم الناس =

<<  <  ج: ص:  >  >>